zondag 29 september 2013


لو كان لنظام الإنقاذ من شرعية لأسقطتها دماء الشهداء






النظام الانقاذي نظام جاء للحكم عن طريق إنقلاب عسكري قوّض نظاما ديمقراطيا منتخبا بإرادة حرة من الشعب. نفس إرادة الشعب التي يتباكى عليها الاخوان المسلمون في اسطنبول الآن، وكان حريا بهم إن كانوا ينطلقون في حديثهم من مبدأ أن يبدأوا بإدانة النظام الانقاذي غير الشرعي، الذي جاء على أنقاض نظام ديمقراطي وبعد إنتفاضة أسقط فيها شعبنا نظام المشير نميري . لكن منطق الاخوان معروف وهو التعامل بإنتهازية مع النظام الديمقراطي الذي لا يؤمنون به الا حين يأتي الصندوق بمنسوبيهم.

النظام الانقاذي فاقد للشرعية حتى لحظة سقوطه وتقديم رموزه للمحاكمة بتهمة تقويض النظام الديمقراطي وتعطيل القانون. والحقيقة أن القانون ظل معطلا في بلادنا منذ اللحظة التي أذاع فيها قائد الانقلاب العميد البشير بيانه المخادع الذي لو حوسب فقط بمقتضاه اليوم لكان كافيا لإدانته، نائب رأس النظام قال أن الدولة ستتعامل مع المتظاهرين بالقانون! يا للمهزلة! يريدنا أن نصدّق بكل بساطة أنه يوجد قانون! بل انه توجد دولة ترعى مواطنها وتضع مصلحته فوق كل إعتبار!.

أحد رموزهم اظنه معتمد امدرمان حاول أن يعطي الحكومة صفة الحادب على مصالح المواطن، الساهر على حمايته، فألقى بجريمة إغتيال المتظاهرين العزل على مسلحين! نفس عقلية النظام السوري الذي هو في أساسه مثل النظام السوداني مجموعة من البلطجية المسلحين والمدنيين ، أية طفل سوداني يعرف ان هؤلاء الشهداء قتلتهم الميليشيات التابعة لجهاز الأمن الانقاذي المجرم.
الشهداء الذين سقطوا بسلاح ميليشيات المؤتمر الوطني لن يذهب دمهم هدرا وسيحاسب هذا النظام بدءا من الربّاط الأكبر وحتى أصغر ربّاط فيه ،على كل قطرة دم أريقت في هذا الوطن من لحظة بيانهم الأول المشئوم وحتى سقوط النظام المحتوم.

طبيعي أن نظاما غير شرعي لم يجد المواطن السوداني منه على مدى ربع قرن سوى الإحتقار والقتل والتعذيب، سيحارب من أجل المكاسب التي جناها بالسرقة والسلطة التي يتمرغ في نعيمها بالقوة المطلقة، بأظافره وأسنانه. لكن المعركة الآن باتت واضحة. لا عدو لشعب السودان سوى هذا النظام المجرم. كل جريمة يرتكبها النظام، كل قطرة دم تراق، ستزيد من أوار النار التي ستحرقهم في يوم قريب، ولهم في معمر القذافي وغيره من الطغاة أسوة حسنة لو حسبوا أن القوة ستضمن بقائهم في السلطة الى الأبد.
عاش نضال شعبنا البطل، المجد لشهدائنا الأبرار والخزي والعار لحكومة القتل والجوع والدمار.

الوفاء لدماء الشهداء يحتّم إستمرارية الثورة





شباب في عمر الزهور قصفت أعمارهم آلة القتل الإنقاذية. بعضهم لم يكن قد جاء الى الحياة بعد حين دقت مارشات إنقلاب الموت والدمار. حين جاء الربّاطة الى الحكم، كان أطفال السودان يجدون الحد الأدنى من الرعاية الذي تفرضه القوانين والأعراف في الدول التي تحترم مواطنيها. فالدولة لم تنشأ عبثا بل لتكون في خدمة المواطن وهو الأصل. جاءت دولة الربّاطة المتأسلمة بمفهوم جديد ما أنزل الله به من سلطان: المواطن في خدمة الدولة! تطارده في رزقه ومعاشه بل وحتى في روحه، ترسله ليقاتل في حروبها العبثية التي لم تستهدف يوما وحدة التراب بل تقسيمه.

حين جاءت الإنقاذ لتنقذ الناس من الحياة، كان أطفال السودان يجدون الرعاية ويدرسون في المدارس مجانا، ويدخلون جامعة الخرطوم مجانا، فكسبت بلادنا عقولا أسهمت في رحلة التطور قبل أن تتلقفها المهاجر في سنوات تيه دولة الرباطة. كانت الدولة فقيرة ومواردها محدودة، لكنها لم تكن أبدا دولة سماسرة. كانت توجه جل إهتمامها نحو المشروعات الزراعية التي قام عليها إقتصاد هذا البلد منذ القدم. كان كل شئ يسير ببطء لكنه يسير الى الأمام وكان مجتمعنا يتعافى أيضا ببطء من مخلفات القبيلة والجهة والطائفة .ويسير بفضل وعي الأجيال الجديدة نحو الإنعتاق من قيودها الى فضاء المواطنة الرحب ودولة القانون.

لكن الربّاطة الذين لا تنتعش أوهامهم الا في الظلام، وثبوا الى الحكم بالخديعة، وسعوا منذ اللحظة الأولى لتدمير كل شئ. فأعادونا الى ما وراء الصفر، الى عقلية القبيلة وأشرعوا سيوفهم في مواجهة كل تيار للوعي. وبدلا من مؤسسات المجتمع المدني الحديثة التي سعوا الى تحطيمها، والتي تحمي حقوق المواطن وتسهم في توعيته، أعادونا الى حضن القبيلة. لم يكن لهم من هم منذ لحظة مجيئهم المشئوم سوى أن يحافظوا على الكرسي حتى وإن ذهب وطننا الى الجحيم، وتفرقنا أيدي سبأ. وحين تنامت موارد الدولة لم يوجهوا المال لتنمية العقول وخدمة الأجيال الجديدة التي ستحمل أمانة الوطن. وجهوا كل مورد الى شراء البنادق التي يوجهونها الى صدورنا، وإستشمروا بقية المال في حياتهم الدنيا، الدنيئة.

الشهيد هزاع ورفاقه لم تقدم لهم الانقاذ شيئا ، لا مؤسسات تعليمية محترمة ولا خدمات صحية وعلاجية. هؤلاء الشباب الواعد الذين هم عماد المستقبل وعماد الدول المحترمة التي تمضي في مسيرة تطورها بفضل عقول وسواعد أبنائها. لم تقدم لهم حكومة الربّاطة سوى الإهمال و الموت.

دماء هؤلاء الشهداء تفرض علينا أن نواصل المسيرة حتى نقتلع الربّاطة من أرض السودان، لنعيد شعلة الأمل التي إنطفأت، الى أجيالنا والى وطننا.

zondag 8 september 2013


إجتماع هام جدا مع السيد الرئيس!



كنا نجلس أمام المسيد بعد صلاة العصر، كان موسم الدميرة قد إقترب وإنشغل أهل القرية بإصلاح سقوف البيوت وتدعيمها بزبل البهائم خوفا من إحتمال هطول المطر. توقفت عربة بوكس قديمة وهبط منها فارس مرتديا ملابس الشرطة الشعبية.
ضحك النور حين رآه بملابس الشرطة الشعبية وقال: نحن راجينك بالكرامة ترجع وزير، تجينا عسكري وفي العساكر كمان شرطة شعبية!
قال فارس: مشيت الخرطوم قابلت الريس! كان عندي معاه إجتماع مهم جدا، شرحت ليه الوضع كله!
- وعشان قابلت الريس لابس كدة؟ الريس سمعنا قالو فاضي ما عنده شغلة كتيرة، لكن ما قايلين فاضي لدرجة يقابلك انت كمان! واتكلمت معاه في شنو؟
كان عندي اجتماع مهم مع الريس، اتناقشنا في الحاصل في البلد وفي الوضع الراهن زي ما بيقولو في الأخبار!.
ضحك النور: وانت هسع عارف الحاصل في البلد ولا عندك خبر الوضع الراهن؟
وقال حاج سعيد: خليك منو التليفة، ريسك ذاته عارف الحاصل؟
علّق صلاح الجاز: والريس فاضي ليك وين، قالو لو داير بس يسالم مساعدينه اليوم يروح قبل يسالمهم كلهم!
تساءل سليمان: قعدت في اجتماع معاه، يعني راسك في راسو عديل واتكلمتو؟
- في الحقيقة بس انا سلمت عليه هو كان مستعجل شوية قال لي انا ماشي ابوجا وجايي!
يا زول طيب ما كان ترجاه لأن قالو وكت رجع من سفريته الجماعة الودعوه كانوا لسة في المطار!
قال سليمان الاعرج: قالو قبل يغير هدومه في الفندق سمع ان اوكامبو في البلد، رقد صوف على المطار!
ضحك شيخ النور وقال: فعلا قالو محل ما يسافر يقول لي الجماعة خلو الطيارة مدورة ما تبطلوها، لأن الظروف ما معروفة!
علّق صلاح الجاز: وين الصور ؟ دايما الريس وكت يسالم زول بيجيبوا الصور في الجرايد والتلفزيون!
جلس فارس أرضا معهم على حصير السعف وقال: في الحقيقة كان في زحمة شوية وما ظهر مصوراتي، الريس طلع سأل الجماعة وين ناس التلفزيون قالو ليه في طيّارة وقعت في المطار مشوا يصوروها!
ضحك سليمان الأعرج: يعني التلفزيون عندهم بس فد كاميرا! وكت تكضب ما تقول حاجة يصدقوها! نحن دايرين الصورة، غير كدة انت كضّاب وتكون قابلت ليك ضابط بشريط واحد والجماعة غشوك قالوا ليك دة ياهو الريس!
أعلن فارس : الحقيقة انا ما قدرت اصافحه لكن سالمته من بعيد شوية!
قهقهه شيخ النور عاليا: يا زول انت مالك كل شوية تبعد، بعد شوية حيبقى تليفون، والتليفون حيبقى مس كول ، وفي النهاية الظاهر انت شفت الزول دة في المنام!
منام ايه؟ حرم الزول دة قاعد في نفس محل حاج سعيد دة وانا قاعد هنا.
نعل ما خبطك الكف الزول قالو خلقه ضايق بي موضوع اوكامبو!
يا زول اعمل حسابك انت ما عارف الاسم دة ممكن يوديك التوج!.
ضحك النور وقال: توج اكتر من النحن فيه دة؟ حرم جهنم تكون رحمة جنب زمن زولك السالمته من بعيد دة! أهو هسع نحن طالعين من موسم بدون حمص، قبل زولك دة يجي الحكم زي اليومين ديل نحن في أمان الله مستورين وزريبتنا مليانة بهائم، ولو مرضت تمشي المستشفى انشاء الله ترقد سنة مافي زول يقول ليك أدفع حاجة، لا في كضب ولا استهبال كل زول في حاله، والدنيا رايقة وأمان ، عسكري واحد قاعد في النقطة وكت عدم الشغلة مشى زرع ليه حواشة. كنا مستورين وكل زول مواصل أرحامه، ويكرم جاره، وعرض الجار ياهو عرضك. جو ناس لا تبديل لشرع الله قرّبو يمرقونا من الملة! بقينا زي يوم القيامة كل زول مهموم بحاله ما عليه لا بي جار لا بي قريب.
بعد فترة صمت، تساءل صلاح الجاز: وما حكيت لينا البوكس دة جبته من وين؟
البوكس دة في الحقيقة أنا صادرته!
صادرته كيف؟ انت سويت ليك جمارك براك ولا ايه!
الجماعة ديل وكت رجعت قلت ليهم انت وعدتوني تسووني مدير او وزير وانا جيت حسب الاتفاق!.
دخلو ومرقو، وفي النهاية جاني واحد قال لي: اسمع انت مش متدرب دفاع شعبي؟
كضبت قلت ليهم ايوة! وعندي كمان شهادة مجاهد في الجنوب!
قاطعه النور: والشهادة دي بيجيبوها من وين؟ اوع تقول لي بتنزل من فو ق ولا حاجة!
أها قالو لي خلاص، بنشغلك فترة منسق مع الشرطة الشعبية عشان يكون عندك خبرة كويسة في الادارة، وبعد داك ممكن تستلم وظيفتك.
قال سليمان: يعني انت هسع بقيت شرطة شعبية؟ ومنسق دي كلام نهائي ولا بعد شوية حتقول نائب منسق وبعد شوية عسكري!
قال صلاح الجاز: انا في الحقيقة ما فاهم يعني في شرطة افرنجي وشرطة شعبي ولا كيف؟ ودة شرطة ولا سوق دة؟!
انتفخ فارس وقال: زي الدفاع الشعبي ما بيساعد الجيش نحن كمان بنساعد الشرطة!.
ضحك النور وقال: سجمهم كلهم. والشرطة الانتو بتساعدوها مهمتها شنو يعني؟
قال فارس: مهمتها حماية المواطن!
ضحك شيخ النور وقال: يا زول دي الا تكون شرطة جديدة غير البنعرفها. الشرطة والامن في حكومتك دي مهمتهم حماية الكيزان من الشعب!
وقال صلاح الجاز: يوم الاحداث الحصلت بعد وفاة جون قرنق، انا كنت ماشي السفارة السعودية جيت ماري جنب مواطنين بيحرقوا في عربات والبوليس واقف يتفرج فوقهم التقول البيحصل دة شئ ما بيخصهم، قرّبت من واحد فيهم وقلت ليه الحاصل شنو انتو ما شايفين الناس دي بتعمل شنو؟ قال لي عندنا تعليمات ما نتدخل!
علّق سليمان: الكيزان قصدوا يعملوا فتنة بين الناس عشان يفصلوا الجنوب!
قال حاج سعيد: ودة الشئ الوحيد النجحوا فيه! سبحان الله ناس ما تنجح الا في الخراب ودمار البلد وبعد دة يقولو ليك لو ما جينا كان البلد راحت!
اها والبوكس صادرته من وين؟
قبضت لي جماعة شايلين مخدرات وصادرت المعروضات ومعاها البوكس!
قال صلاح الجاز: أنت الظاهر استلمت الشغل وطوالي لقيت الرزق راجيك!
وعلّق سليمان : عرفنا تقبض لكن تصادر كيف انت بقيت قاضي كمان ولا دي العدالة الناجزة ، دقة سريعة!
والبوكس دة هسع انت صادرته للحكومة ولا لي رقبتك؟
قال فارس: وانا والحكومة شنو؟ ما الحالة واحدة!
- أها والمخدرات برضو الحالة واحدة وديتها البيت؟
سلمتها البوليس حيحرقوها!
يا زول متأكد سلمتها ولا تكون بدلتها بورق شجر لغاية ما الدنيا تروق وتبيعها !
قال سليمان الاعرج: طلبة كتار قالو بسبب ضيق المعيشة ومشاكل الحياة بقوا مدمنين للمخدرات.
قال شيخ النور: الطلبة هم اكتر ناس قلبهم على البلد وبيطلعوا المظاهرات عشان كدة بيحاولوا يدمروهم بالمخدرات. زي ما شغلوا الناس الكبار بمشاكل المعيشة والغلاء.
سليمان: سبحان الله اي حكومة في الدنيا شغالة تساعد مواطنيها الا حكومتنا السجم يصحوا من الصباح يمشوا مكاتبهم وشغلهم كله كيف يأدبونا وكيف يخلونا مافي زول يرفع راسه!.
لم يظهر فارس رغم منصبه الرسمي الجديد إهتماما بالشتائم التي إنهالت على الحكومة، بصق السعوط من فمه وقال:
أها يا النور، زي ما وعدتكم بقيت مسعول كبير، وين الكرامة؟
قال النور: والله فعلا بقيت مسعول كبير مادام بديت بالمصادرة. وهسع محل شغلك حيكون وين؟ والا تكون مطلوق كدة ساكت لامن تلقى ليك بيت تصادره وتعمله مكتب!؟
يا زول انا منسق يعني بكون مسئول من الشرطة الشعبية في المنطقة دي كلها!
علّق النور: شغلكم الميت دة، فلان سكران وعلانة ما غاتة شعرها، دايرلو كمان تنسيق!
رد فارس بسرعة: يا حاج ما تخلط بين نظام عام وشرطة شعبية. ولو ان نحن برضه ممكن نشوف الحاجات دي!
قال صلاح الجاز: خلاص بالله وكت تصادر ليك حاجة تاني ما تنسانا من صالح المعروضات، بس ركز لينا على المعروضات الحلال!
ضحك النور وقال: خلاص نوفر العتود لامن يبقى وزير، ونرجاه يمكن المرة الجاية يصادر ليه بهائم ولا أبقار مهربة!

صمت الحياة في الشتاء


صمت الحياة في الشتاء



بعد صلاة العشاء جلسنا في باحة المسيد، كان الشتاء قد إنصرم وإنشغل معظم الناس بجمع محاصيلهم وتخزينها أو تسليمها للبنوك. كان بعض الصبية يلعبون شليل في ضوء القمر في الساحة الملاصقة للمسيد. تخفف أصوات صراخهم وضحكهم أثناء اللعب من الكآبة التي تخيم على العالم، كأنهم يعلنون نهاية صمت وخمول الحياة في الشتاء، حيث ينشغل الجميع بالموسم الزراعي، وإستعادة صخبها مع هبوب أول خماسين الصيف.
كان الجميع يشعرون بالإرهاق بعد نهاية موسم زراعي ملئ بالمشاكل. بدت الحياة نفسها بالنسبة لهم مثل دورة لا تنتهي من الشقاء والمصاعب الموسمية.
قال شيخ النور: إنشاء الله التعب دة يجيب مديدة تامزين. بدل التعب البلا عائد دة أريت كان نمنا نومنا. بدل يبقى علينا فلس وكمان تعب ومرض! شغالين خدامين للبنوك نتعب ونساهر وفي النهاية ندي المحصول كله للبنك ونرسل لي ناس السعودية يرسلوا لينا عشان نشتري القمح!
رد حاج سعيد: والله كلامك صحي، زمان ولدي وكت ظروفه كانت كويسة في السعودية كان بيقول لي ما تزرع ، وكان بيسألني لو زرعت بتجيب كم شوال؟ ويرسل لي تمنها!
قال شيخ النور كأنه يتحدث مع نفسه: البرد ذاته راح في زمن حكومة الفقر، بسبب الحر الفول إنضرب بالعسلة، كان أملنا السنة دي يعوضنا شوية!.
قال سليمان الاعرج: ولو البرد جة، يجيب معاه الجراد.

عقّب شيخ النور: والله لو بلقى طريقة اغتراب ما أتردد، يا اخوانا ما بنفع انشاء الله أبقى غفير ولا راعي بهائم!
ضحك سليمان الاعرج وقال: قبل كم سنة، قبل ما الانقاذ تدخل العضم، جاني جواب من الخزين ود عمي عثمان، قال لي في سعودي بيفتش على عمال يسافروا يشتغلوا معاه لو دايرين تسافروا تعالو قابلوه يمكن يكون عندكم رزق وياخدكم معه.
سافروا الشباب كلهم أولنا طبعا سيد الاسم فارس، السنة ديك كان زرع أول مرة في حياته، وقبل ما يخلص من أول سقاية للمحصول شرد وسافر رجع في آخر الموسم وكمان بوشه القوي قال داير نصيبه من المحصول! الطاهر قال ليه : لو جبت لي تلاتة شهود إن عندك حق في المحصول دة بديك أكتر من حقك! فارس طبعا ما بيحب الشغل خاصة حش البرسيم، كان طوالي يقول البرسيم يعمل ليه حساسية! قال جسمه كله يورم لو دخل جوة البرسيم، هو طبعا ما داير يساعد عمه الزين، الزين كان الوكت داك عنده برسيم كتير ويشحت الناس يساعدوه في الحش، وكت زهج من فارس قال ليه : أول مرة أسمع بي زول عنده حساسية من البرسيم، وانت طيب لو كان بقيت حمار كان بتاكل شنو؟ ! والا يربطوك في الحلفا؟
فارس قال لي الزين يبيع البرسيم ويكب القروش في جيبه، وما يتذكرنا تاني إلا وكت يجي ميعاد الحش، عشان كدة انا كرهت سيرة البرسيم! بقت تجيب لي حساسية!
مشينا الخرطوم قابلنا السعودي، راجل شكله طيب، قعدنا معاه في الاستقبال بتاع الفندق..
قاطعه النور: ما شاء الله يا سليمان مشيت الخرطوم ودخلت الفنادق كمان! كان داير تبقى معارضة ولا شنو؟
تساءل حاج سعيد: معارضة شنو في الفندق؟
ضحك النور وقال: ما دايما الكيزان يقولو على المعارضين معارضة الفنادق! التقول هم الحرامية قاعدين في السهلة، يرسلوا الشفع الصغار يحاربو ليهم وهم عايشين في قصورهم عيشة الأمراء والملوك!
واصل سليمان: أها الراجل السعودي قال لينا أنا محتاج لناس يشتغلوا كويس واقدر اعتمد عليهم لأن عندي مزرعة كبيرة جايب فيها أبقار وجمال وبهائم.
قبل ما يكمل كلامه نط ليه فارس في حلقه وسأله: طبيعة الشغل الحنعملو شنو؟
الراجل قال ليه: حش برسيم!
فارس طوالي وقف وقال: والله البرسيم دة الجابنا هنا من البلد!
أها مشوا معاه اظن خمسة، منهم الطيب ود حاج سعيد، قالو هسع سوا ليه عقال وبقى ينضم زي سياد البلد يقول للعربية وانيت وللراجل ريّال، يا هو الدنيا وحالها! المسكين عرف كلامنا الميت دة ما بيأكل عيش!
ضحك النور وقال : وأنت ليه ما مشيت يا سليمان؟
قال سليمان: والله انا برضو كنت فاكر الشغل يكون خفيف شوية، يدوني كنبة أقعد أحرس لي باب، أراقب لي عمّال، لكن حش برسيم مع كراعي دي ما بينفع!
حدّق شيخ النور في القمر وتساءل: صاحبك مالو طوّل في الخرطوم المرة دي؟
ضحك سليمان وقال: قال ما بيرجع الا يبقى وزير! لكن بعد دة بيرجع، ما دام الموسم إنتهى بيرجع. الزين بداية الشتاء قال ليه تعال ازرع معاي السنة دي، قال للزين انا ماشي الدهب ما عندي نية زراعة تاني. تقول بلحيل كان ناجح في الزراعة. الكيزان غشوه وكت قال داير ينزل الانتخابات قالوا ليه إتنازل وحنعينك مدير لشركة، بدل يقبض ليه قرشين ويخلع! طمع، قال يمسك الشركة يلبع ليه لبعة كبيرة ويتقاعد بعدها، قال لي الكيزان نهبوا البلد دي فرصتنا نرجع شوية من النهبوه! قبل بكلامهم لكن الجماعة أولاد كلب، مرقوه من الاتنين!
هسع قبل يسافر كتب ليه عريضة قال يوديها الخرطوم لرئاسة المؤتمر الوطني، كتب قال ليهم الجماعة هنا نهبو البلد، وخلوا الناس كرهوا الدين ذاته بعمايلهم. لدرجة في جزار في السوق اليوم كله يكورك: لو الناس ديل طاروا وجانا حزب بيقول لا تبديل لشرع الله، حرّم ساطوري دة ما ياباه! بعدين هو يمشي يشتكي الخرطوم لي مين؟ تقول ناس الخرطوم بلحيل كويسين، والشغلة هي أصلا خربانة من فوق!
قال النور: لو كدة وجب نجهز لينا عتود للكرامة، يمكن الزول دة يرجع وزير زي ما قال!
قال حاج سعيد: عتود ولا تور؟
قال النور: عتود كفاية، فارس كضّاب حيجي يقول عملوني وزير عشان نضبح وياكل اللحم، وبعد داك يقول بدل يختوا اسمي عملوا غلط عينوا زول تاني لكن حيدخلوني في أقرب تعديل وزاري!