dinsdag 30 juli 2013

الخواجة في الإنداية!


الخواجة في الإنداية!
07-29-2013 09:44 AM


في المسيد كان المجنون نائما تحت شجرة النيم، ايقظه حاج سعيد لصلاة العصر، لكنه قال وهو نصف نائم: صلوا انتم انا بحصلكم!
تحصلنا وين هي صلاة ولا غداء، وكمان عامل لينا كوز وتقيف تكورك في الناس بعد صلاة الجمعة. طيب زح كدة شوية خلينا نصلي انت مالي البرش بجسمك الكبير دة!.
قال فارس: قول ماشاء الله داير تسحرني جوة المسيد!
العين دايرة تعمل ليك شنو، يا جسيم!.
غنى فارس بصوت أشبه بنهيق حمار: يا جسيم الريد الريد فوقك النبي، ثم جمع جسده من فوق البرش وتكوم جالسا وقال:
الناس وكت تكبر تعقل، ناس الحلة دي وكت يكبروا يجنو وعينهم تبقى حارة، هسع الزين عمي دة زمان كان كويس، هسع عينه تقد الحيطة، مرة مشى للمساعد الطبي لقاه زارع العيادة بالخضروات بموية الطرمبة، قال ليه والله انت شديد نحن قدر دة بالوابور ما قادرين نزرع!
قابلت المساعد بعد ايام قال لي عمك نجمني، قلت ليه كيف، قال لي سحرني داير يخرب بيتي، جة لقى المحل ملان خضار قال لي دة نحن بالوابور ما قادرين نزرع قدره، انت زارع بطرمبة اليد!. من اللحظة ديك طرمبة الموية وقفت من سحب الموية جبنا زول يصلحها ما قدر يعرف المشكلة شنو، بقينا موية الشراب ما لاقينها والخضار المزروع اتحرق بالعطش!

لم يحضر احد لصلاة العصر، صلى حاج سعيد لوحده، وبعد أن فرغ من صلاته إلتفت نحو فارس : والزين وين اليومين ديل ما ظاهر؟
مشى الخرطوم يعالج مك الدار عمتنا.
مالها مك الدار هسع قريب دة مش وداها عملت عملية؟
ايوة انا مشيت معاه، كان عندي غرض في الخرطوم قلت ارافقهم، عمي الزين طبعا ما قعد يدي مك الدار حاجة من حق التمر ورثة جدنا، ياهو بس ساكنة معاه تاكل وتشرب، وكت بقت تتكلم وقالت دايرة تعرف حقها لأن محتاجة قريشات تسافر الخرطوم تزور اختها هناك، اها ساقها الخرطوم، اصلا هو كان ماشي، يحب دايما في الصيف يمشي هناك يقع الانادي، يحب الشراب النضيف. اها وهمها قال ليها انتي عيانة نمشي نعالجك، قال ليها يا مك الدار انتي كل يوم راقدة جيبوا لي الحكيم، زمان العلاج كان مجان، الكيزان جو عملوا العلاج بالقروش، حقك من التمر كلو قاعد يمشي للمساعد الطبي والدكتور، بعدين التمر ذاته اكتر من النص وقع ، وبالعطش قليل منو بينتج، الكيزان نشفوا البلد حتى الموية التحت الواطة راحت، والجاز غالي ما بنقدر نزرع تحت التمر كله.
في الخرطوم وداها للطاهر ود عمتى السرة، نحن كلنا سامعين الطاهر قرأ وبقى دكتور، لكن دكتور بتاع شنو مافي زول عارف، الزين أشّر لمك الدار و قال للطاهر:

سوق امك دة ، عالجو كويس!
الطاهر عارف حركات خاله، قال ليه:
عندها شنو؟
ارتبك الزين من السؤال، يظهر انه ما كان عارف مرض مك الدار، وهو عامل قدام الناس انه مهتم بيها وجايي مخصوص عشان يعالجها!
رد بعد تردد: انا عارف، ثم استدرك كأنه تذكر شيئا: عنده كحة!
إبتسم الدكتور وقال: معقول يا خال عنده كحة تجيبو لدكتور اسنان؟
الزين طبعا اصلا ما بيستسلم، حك راسه وقال: انا عارف، ما قالو لي انت دكتور شاطر، على كل حال في الاسنان كمان بيتلقى عنده مشاكل، سنونه دة يطحنو الأكل من زمن حفروا البحر، اكيد يكون فتروا ودايرين عمرة!
المهم قام بتحويل مشكلة الكحة بقدرة قادر الى مشكلة في الاسنان، عندها فاجأه الطاهر: انا دكتور أمراض جلدية.
تردد برهة وقال: جلده قديم، عنده مشكلة في الجلد، قبل زمن كان عنده نشاف في الجلد وديناه البصير عالجه بورق الصبار والقرض، بقى كويس لكن اظن رجع ليه نفس المشكلة تاني. بعدين لو قدرت عالجت جلده دة الكحة كمان ما بيغلبك.
اقول ليك كلام يا خال انا ذاتي ما دكتور جلدية ولا اسنان انا بيطري!
صاح الزين وقد اصيب بالاحباط:
بتاع حمير وكلاب؟
ايوة.
يا زول خلي الكلام دة بيناتنا نحن في البلد هناك قاشرين بيك، ولدنا دكتور أخصائي، اي زول عيان والا دايرين منه مصلحة نقول ليه، عندنا ولد دكتور شاطر لو احتجت ليه تعال نديك تليفونه تقابله في الخرطوم، ثم فكر وقال، على كل حال مافي زول بيفرز، الناس تعبانة وما عندها حاجة لو كشف عليها بتاع ناس بتاع حمير ما فارق معاها المهم يكون مافي دفع، والعلاج معروف، براي انا بمشي الاجزخانة بشيل الدوا ، دكاترة اليومين ديل اول شئ يودي السماعة فوق جيبك، لو ما سمع حركة، ما بيشتغل بيك الشغلة ! لو سمع خشخشة بعد داك يوديها فوق القلب! اساسا انت لو جيبك كويس قلبك يدق زي الطاحونة! خوف ساكت يفضو ليك جيبك!
اها نازلين بيت عمتنا، كل يوم يصحيني الدغشة ويستعجل عمتنا تجهز الفطور عشان عندنا مواعيد مهمة مع دكتور، وكت نمرق الشارع يقول لي: اها نمشي على وين؟
قلت ليه انت بعد استعجالك دة كله ما عارف ماشي وين؟
: لأ يعني حنمشي وين، شوف لينا اقرب انداية!
قلت ليه : والدكتور القلت عندك مواعيد معاه!.
بعد ان نصل الانداية ونبدأ في الشراب، وكت يتكيف من الشراب يقول لي: في ذمتك دة ما العلاج ذاتو، العلاج دة اصلو الا حباية وكبسولة، حرّم المرة دي انجح من اي دكتور اخسائي!
في الانداية لقينا خلق كتيرة فيهم أجانب كمان، وكت سألنا من الأجانب حكوا لينا قصة الخواجة الكان بيمشي كل يوم انداية في الخرطوم ، لكن الظاهر انداية مجيهة، فيها الويسكي، اها الخواجة كل يوم يطلب كاس ويسكي يشربه ويمشي، الا يوم جة طلب كباية عرقي، شربها، العرقي من شدة نضيف وقوي، لامن الخواجة وقف على حيله والكلام غلبه، اها تاني يوم برضه الخواجة جة قال داير كباية عرقي، ست الإنداية قالت: سجمي الخواجة دة اسلم ولا شنو؟
سكرنا ومرقنا قال لي شوف لينا محل تاني ننبسط فيه باقي الليل دة، واي زول يسأله مالك في الخرطوم يقول ليه والله اختى مك الدار عيانة جبناها للعلاج! في الفترة القعدناها ما شاف مك الدار الا يوم سلمها للدكتور، بعد داك كل يوم وكت نصحى من النوم بتكون هى طلعت للمستشفى مع الطاهر وكت نرجع بالليل بنكون سكارى ، الزين بيكون نسى هو ذاته منو خليك من اخته
!

الطفل العاري صاحب الوردة الحمراء!


الطفل العاري صاحب الوردة الحمراء!



إهداء: الى صاحب الضمير الحي والقلم الذي لا ينكسر، الاستاذ صلاح عووضة

في ذكرى الثورة المجيدة خرجنا لنحتفل بالمناسبة، لم نكن نعرف بالضبط أية ثورة عظيمة كانت تلك التي سنحتفل بها. لم نعرف الا بعد ان أحضروا لنا اللافتات القماشية الضخمة التي سنحملها فوق رؤوسنا ومكتوب عليها بالخطوط الزرقاء الكبيرة عاشت ذكرى ثورة يونيو العظيمة. كان الجو قائظا حتى أنّ أحد زملائي علّق هامسا حين أحرقتنا الشمس مجرد أن غادرنا مبنى الشركة التي نعمل بها.
ألم يكن بإمكان هؤلاء العسكر الانتظار قليلا حتى يحل الشتاء، ثم يقوموا بثورتهم المجيدة هذه!
شعرت برغبة في التمرغ في الأرض من فرط الرغبة في الضحك لكن الضحكة لم تخرج من جوفي، شعرت بقوة مجهولة تقمع ضحكتي وتحولها الى طاقة خوف مكبوتة ، قلت له: كيف تقول ذلك عن الثورة التي انقذتنا!
نظر لي زميلي بإستغراب ولم يقل شيئا. رأيته يحمل احدى اللافتات ويرفعها عاليا ويزعق بصوت عال: عاشت الثورة العظيمة.. الموت للعملاء! حين ابتلعنا الشارع الذي كان على وشك ان يشتعل بفضل حرارة الصيف الجهنمية. بدأ زعيقنا يخفت كلما توغلنا في صمت الشارع، لأننا لم نجد أية إنسان يصفق للمسيرة او حتى يعبر بجانبها. كانت الشوارع خالية كأن كل شئ فيها ذاب بفضل القيظ، فجأة توقفت المسيرة المنهكة أمام طفل صغير عار لا يرتدي شيئا ، كان يمد يده طالبا للمساعدة.
إنتبهنا الى أنفسنا في مرآة الطفل العاري، رأينا وجوهنا المحروقة بسبب الجحيم ، وملابسنا البيضاء التي رأينا في مرآة الطفل انها كان متشابهة لأنها كانت تعكس دواخلنا المفرغة من أية شئ في تلك اللحظة!
بحثنا في جيوبنا عن شئ نعطيه للصبي فلم نجد شيئا، وجدنا في جيوبنا مفاتيح قديمة مغطاة بالصدأ وبقايا ألعاب أطفال، أعطي أحدنا للطفل الصغير لعبة بلاستيكية خضراء صغيرة تصور دبا ينطلق جاريا بمجرد ان تقوم بتعبئة مفتاح الظهر الذي يشبه مفتاح علبة السردين. بمجرد ان تسلم الصبي اللعبة وضعها في فمه وحاول ان يأكلها وحين استعصت اللعبة على أسنانه لفظها ومد يده مرة اخرى طالبا قطعة خبز، بدأنا نفتش جيوبنا مرة اخرى، خرجت في جنون التفتيش هذه المرة، قطع نقدية صغيرة يعلوها ايضا الصدأ لابد انها سحبت من التداول منذ سنوات منذ آخر تغيير للعملة الوطنية . أخرج احدهم وردة ذابلة يعلوها بعض الصدأ ودفع بها للصبي، حمل الصبي العاري الوردة ونظر اليها برهة، كان المنظر مدهشا لنا حتى انني حاولت الاحتفاظ بصورة تلك اللحظة المدهشة للصبي العاري الجائع الذي يحمل وردة في يده فيما الشمس الحارقة تحرس أو( تحرق)خلفية الصورة. لكنني لاحظت ان الصورة كانت تقاوم حفظها في الذاكرة وتحترق في كل لحظة من وطأة القيظ ، اكتشفت شيئا مثيرا: يمكنني حفظ الصورة في ذاكرة الصبي نفسه!
تعلم الطفل بعض الحذر من تجربة اللعبة البلاستيك حتى انه دفع بجزء صغير من الوردة داخل فمه، تغير شكل وجهه كأنه وضع سما داخل فمه، تسلل مذاق السم الى فمي حتى انني دهشت ان وردة بهذا الجمال تحمل في دواخلها طبيعة عقرب! اخرج الطفل الوردة من فمه لكنه لم يلقها مثلما فعل مع لعبة البلاستيك. كان واضحا من حيرته أنه مقتنع بأن الوردة يمكن ان تساعد في شئ ما، لكنه لا يستطيع تحديده، رفع يده فإرتفعت الوردة بإتجاه الشمس وبدأ شكلها يتغير، سرى دم خفي في أوراقها فإستعادت نضار وردة لم تقطف أبدا وتحول لونها الى اللون الأحمر. عندها تقدمت المسيرة مرة أخرى وتجاوزت الطفل العاري صاحب الوردة الحمراء.
ارتفعت اصواتنا مرة اخرى تزعق بنفس الشعارات المكتوبة على اللافتات التي نحملها، كأن مشهد الطفل العاري اعاد شحن بطاريات اصواتنا. ثم فجأة بدأت أصواتنا تخفت مرة أخرى، لتتوقف المسيرة للمرة الثانية فجاة على مشهد طفل صغيرعار آخر يمد يده طالبا المساعدة ! بدأنا نبحث في جيوبنا مرة اخرى ، وجدنا اشياء بلاستيكية رخيصة، قطعة حبل، قلم رصاص، عازل طبي خرج خطأ وشعر صاحبه بحرج شديد وحاول سحبه لكن الوقت كان قد فات. قال أحدنا: لا يوجد مال في جيوبنا رغم اننا نعمل في بنك الوطن!
انتبهنا في تلك اللحظة للمفارقة الغريبة لكن ذلك لم يستمر سوى ثانية واحدة، ليتواصل البحث في الجيوب دون جدوى، اعطينا الطفل قلم الرصاص فوضعه فورا في فمه، يبدو ان طعم القلم الرصاص لم يكن سيئا كما كنا نعتقد، فقد أكل الصبي جزءا منه، تركنا الصبي يمضغ قلم الرصاص وواصلنا سيرنا، فجأة اكتسحتنا عاصفة خريفية حملت معها اليافطات القماشية الى الفضاء وهطل وابل غزير من المطر، لكننا واصلنا مسيرنا رغم عوائق الطبيعة. أصبح الجو باردا فجأة وارتجفت أجسامنا بسبب البرد والمطر. قال زميلي الذي انتقد ثورة الصيف في البداية: ألم يكن بإمكان هؤلاء العسكر الانتظار قليلا حتى يحل الصيف ثم يقوموا بثورتهم المجيدة هذه!
قلت وكأنني منوم مغناطيسيا: كيف تقول ذلك عن الثورة التي انقذتنا!
لم يندهش زميلي فقط لكلامي، لكنني ايضا دهشت مما قلت حتى انني لكمت رأسي لأتأكد أنني لم اكن أحلم. هز زميلي رأسه ثم رفع صوته بحياة الثورة العظيمة وموت العملاء والطابور الخامس والسادس.
تقدمت المسيرة ،كنا نشعر أن مسيرتنا يجب أن تستمر رغم علمنا أنها تمضي دون هدف الى المجهول ، توقفنا مرة أخرى بعد قليل على منظر طفل ثالث عار يمد يده طالبا المساعدة. لم نتوقف كثيرا للبحث هذه المرة، أعطيناه قطعة الحبل البلاستيك التي بقيت معنا وواصلنا المسير دون حتى ان نعرف ان كان سيحاول أكل قطعة الحبل.
فجاة توقفت المسيرة أمام جدار عال يمتد على مد البصر يمينا ويسارا. وقف الزميل صاحب ثورتي الشتاء والصيف واقترح ان نعود من حيث اتينا، قال عبارة غريبة لم يفكر فيها أحد: ربما وجد هذا الجدار لينبهنا الى انه لا يمكننا ان نستمر في مسيرتنا هذه الى الأبد.
قال أحد زملائنا: هل تعرفون كم يوما لبثنا؟
تلفتنا جميعا نبحث عن إجابة، كان منظر ملابسنا يقول اننا لم نغيرها لعدة أيام وربما أشهر.
عدنا من نفس الطريق الذي جئنا منه، حين مررنا بمكان الطفل الثالث الذي اعطيناه قطعة حبل، لم نجده في البداية، لكن حين اقتربنا وجدنا جسده مشنوقا يتدلى من شجرة قصيرة! لقد انتحر مستخدما نفس الحبل الذي اعطيناه له. رأينا أنفسنا في مرآته نرتدي أكفاننا البيضاء! مثل ثلة من الموتى يتظاهرون في الجحيم!
وجدنا انفسنا نجلس أرضا وننخرط في البكاء، لم نعرف ان كنا نبكي على الطفل الذي شنق نفسه أو على صورتنا التي رأيناها في مرآة الطفل الميت.
بكينا حتى استنزفنا آخر قطرة دمع، وحتى نسينا سبب بكائنا. قبل ان نواصل المسير، حين وصلنا الى مكان الطفل الثاني، اجتاحنا الفرح فقد كان الطفل حيا، كان لا يزال يمد يده طلبا لأية مساعدة. لم نجد أثرا لقلم الرصاص. حمل احدنا الطفل فوق رأسه وواصلنا المسير، مجرد أن رفعنا الطفل فوق رؤوسنا حتى بدأت الحياة تسري في عروق في المسيرة المرهقة، وصلنا بعد قليل الى مكان الطفل الثالث وجدناه لا يزال حيا لحسن الحظ، كان قد استخدم وردتنا الحمراء كغطاء لعورته. حمله أحد زملائنا في المقدمة ووضعه فوق رأسه.
، قال زميلنا صاحب ثورات الشتاء والصيف : لدينا الان لافتات حية لانحتاج لننظر اليها كل مرة لنعرف ماذا نقول!
لم نندهش هذه المرة لكلامه، شعرنا بمسيرتنا تصبح أكثر قوة وعددا وهي تهدر في طريق العودة الطويل.

woensdag 17 juli 2013

إنقلاب عسكري في القرية

حين عدنا من رحلة السباحة في نهر النيل بعد أن هربنا صباحا من القرية بسبب منعنا من الذهاب الى نهر النيل الذي إرتفع منسوب مياهه ، من على البعد وجدنا القرية هادئة وقد بدأ المساء يرخى سدوله، قال احد زملائي هدوء القرية الشديد يثير الريبة ربما يقوم رجال الجيش بتفتيش القرية بحثا عن الشباب! فكّرنا قليلا ووجدنا انه من الافضل ان نتريث قبل ان نغامر بدخول القرية.
بزغ القمر فجأة فغرق العالم في الفضة، كنا نشعر بالجوع لكن الاسترخاء فوق كثبان الرمال القمرية كان رائعا ، كانت تتماوج من حولنا أصوات الصبية من على البعد يلعبون شليل في ضوء القمر ، اضافة لعزف وغناء على الطنبور يحملها هواء الدميرة في موجات متقطعة حسب اتجاه الريح.
فجأة سمعنا صوت اطلاق رصاص! يا للكارثة لابد أنهم رجال الجيش اذن! ولماذا يطلقون الرصاص؟ ربما هرب بعض الشباب او رفضوا اطاعة اوامر التوقف فأطلق الجيش النار عليهم! لقد حدث ذلك عدة مرات كما سمعنا حين حاول الشباب في احد المعسكرات الهرب لقضاء العيد مع ذويهم اطلق المجندون النار عليهم في ظهورهم دون رحمة.
شعرنا بالقلق والخوف حتى اننا قررنا ان نعود لنعرف ما يحدث حتى وان كان هناك خطر علينا، كنا نشعر بخوف شديد، هل هناك شخص اصيب من اطلاق النار؟ تقدمنا داخل القرية بحذر لكننا فوجئنا بوسط القرية هادئ تماما ولم نجد أحدا في المسيد رغم ان موعد صلاة العشاء قد اقترب. جلسنا امام المسيد على امل ظهور شخص ما يشرح لنا ما يحدث في القرية.
فجاة سمعنا مرة اخرى صوت اطلاق رصاص من على البعد، بدا لنا قادما من الجزء الشمالي للقرية، فتحركنا فورا الى اتجاه اطلاق النار.
حين وصلنا وجدنا عددا كبيرا من اهل القرية يقفون في ميدان مفتوح في المنطقة المطلة على المزارع. لم نتبين الوجوه جيدا في ضوء القمر لكن كل كبار رجال القرية كانوا موجودين هناك، يتقدمهم عظماء القرية الذين يقفون في المقدمة، كان هناك شيخ علي رئيس اللجنة الشعبية و حوله كل اعضاء اللجنة الشعبية في القرية. عرفنا ان شابا هرب من الجيش كان يطلق النار في الهواء من سلاحه وقد فزع رجال اللجنة الشعبية لاعتقادهم بوصول بعض الحركات المتمردة الى مشارف القرية. عرفنا أن الشاب هدد بضرب القرية ان لم تجاب مطالبه.
كان شيخ علي يحمل ميكرفونا في يده ويتحدث مع الجندي الهارب طالبا منه تسليم سلاحه والاستسلام. وكان هناك شخص يحمل الميكرفون ويناوله للجندي عبر حائط قصير كان يقف خلفه. كان كلام الرجل واضحا يجب خروج جميع الاشخاص الذين ينتمون للنظام من القرية والا انه سيقوم بفتح النار على الجميع!
اعطى شيخ على المايكرفون الى شيخ النور وجدها شيخ النور فرصة لشتم الحكومة على الهواء، قال له : يا بني كلنا معك ان هؤلاء مجرمون دمروا البلد لكن ما ذنب اهل هذه القرية كي يدفعوا الثمن؟ الا يكفيهم ما هم فيه من فقر وفشل للموسم الزراعي !
حين تسلم الميكرفون رد الجندي على شيخ النور: انا افهم كلامك يا شيخ النور واعتذر عما سببته لكم من مضايقات لكن هؤلاء الكلاب لا يفهمون الا لغة السلاح!
وكان الناس يتسلمون المايكرفون ويتحدثون مع الجندي بطريقة اشبه ببرنامج ما يطلبه المستمعون. فيما كان شيخ علي ينظر كل دقائق الى ساعته ويقول: لقد تأخر رجال الجيش!
قال له شيخ النور: الجيش فاضي ليك وين عشان يجي لي موضوع زي دة. انت ما تتفاهم مع الزول دة.
لكن شيخ على كان عنده فكرة اخرى. نظر حوله وتساءل:
أين صالحين والد هذا الصبي؟
قال احد اعضاء اللجنة الشعبية يكون سكران في بيته اصلا هو وولده بيسكروا مع بعض!.
رد عليه شيخ النور: مالك ومال الناس بعدين الولد دة انت قبضتوه من الشارع ووديتوه الجنوب يحارب بالقوة معاكم، انتم اصلا لو مقتنعين دة جهاد ما تمشوا تجاهدوا بدل ترسلوا اولاد الناس المساكين وانتوا قاعدين هنا ورا العرس والدنيا.
بعد قليل حضر الأب ، ترجاه شيخ على، يا صالحين قطعة الارض الطلبتها خلاص صدقناها ليك وحأشوف ليك حواشة في المشروع الجديد بس عليك الله شوف لينا ولدك دة يسلم سلاحه عشان مصلحته هو ذاته ومصلحة البلد.
امسك صالحين بالمكرفون وقال: اذيك يا عثمان كيفنك، والله مشتاقين ليك من ما ناس الجيش ساقوك ونحن نفتش في اخبارك. كان شيخ علي يتعجل في صالحين،: خلي السلام هسع يا شيخ صالحين وقول للولد يسلم السلاح.
لكن العم صالحين مضي يتونس مع ابنه ولم يعر كلام شيخ علي ادنى اهتمام.
يا ولدي نعجتك ولدت، والحمارة الكبيرة ماتت. والموسم السنة دي فشل. حسين خلى المدرسة، كل يوم يطردوه عشان ما دفعنا الرسوم مشى الخلا يفتش الدهب. والحمدلله نحن بخير. امك بتسأل عليك كان عندها ملاريا وديناها الحكيم قال لازم تتغذى كويس واداها شوية حبوب لكن لسة راقدة. والحمدلله نحن كويسين.
قاطعه شيخ على: يا شيخ صالحين الحكاية شنو نحن جايبنك عشان تحكي قصة حياتك ولا كان رايح ليك ماكرفون وناس تحكي ليهم . خلصنا اعمل معروف وخلي الزول دة يجي يسلم سلاحه وانا اضمن ليك الموضوع ينتهي هنا دة وولدك تاخدو في يدك وتمشي هسع.
قال شيخ النور لسليمان الاعرج الذي يجلس بجانبه: كضاب، وليه اتصل بناس الجيش وقالوا ليه حنرسل ناس عشان يقبضوا عليه لأن هارب من الجيش!
واصل صالحين وكأن شيخ علي لم يتكلم معه ابدا:
يا ولدي لو قدرت بعدت من الناس ديل لازم تجي تزرع السنة دي عشان تساعد ابوك انا خلاص العيشة غلبتني يا كمان تشوف ليك طريقة تمشي عمرة. اخوك خلى المدرسة وامك عيانة وانا ذاتي والله تعبان والرطوبة قربت تحميني المشي، العجل وديته بعته في السوق عشان نعالج امك!
خاطب شيخ علي شيخ النور: يا النور ما تتكلم مع الزول دة يخلصنا من الحكاية دي.
قال له النور: انت مستعجل مالك ما كلام الزول دة حيخلي الولد يهدأ ويجي براه لو صبرت شوية، ثم ضحك شيخ النور وقال: طبعا يا شيخ علي انت داير تحاول تخلص الموضوع قبل ناس الجيش يجوا عشان تعمل فيها فعلا زعيم للبلد وكلمتك مطاعة!
شعر شيخ علي بالحرج لكنه هز رأسه ولم يقل شيئا.
واصل صالحين الحديث الهوائي مع ولده: والله يا ولدي من ما ناس الجيش ديل ساقوك، امك مرضت وطوالي كلما تسمع حركة في الباب تقول دة عثمان، قبل يومين ابو البشير كورك فوق الشجرة أمك رفعت راسها اول مرة من كم يوم وقالت: عثمان جة، ثم ضحك وقال ابو البشير شافك جايي لكن ما شاف السلاح المعاك دة!
كان شيخ علي يتململ وينظر الى عقارب ساعته الفسفورية ويصلح من وضع عمامته الضخمة، فيما واصل صالحين رواية الحكايات لولده وبدا المشهد مثل أم تهدهد صغيرها قبل ان يخلد للنوم:وكت بعنا العجل قلنا نوفر شوية قروش نصلح البيت شوية قبل ما ترجع لكن العلاج غالي يادوب تمن العجل كفى تكاليف علاج امك وما قدرنا ندفع لي حسين عشان يرجع المدرسة هسع مشى في الخلاء يفتش الدهب. هناك قالو انت وحظك يمكن تقعد سنة كاملة ما تلقى اي شئ. دة غير التعب والمشاكل.
تمكن شيخ علي من العثور على سليمان شقيق صالحين واحضره، تحدث سليمان مع صالحين وترجاه ليطلب من عثمان تسليم سلاحه ليذهب معهم الى البيت لأن امه في انتظاره.
رفع صالحين الميكرفون، حمد شيخ علي الله لأن المشكلة على وشك ان تنتهي: قال صالحين يا عثمان: متذكر .. ثم صمت برهة شعر بها شيخ علي كأنها دهر، ثم واصل: شجرة الليمون الكنت زرعتها قبل ما تمشي؟
سقط شيخ علي ارضا من فرط المصيبة. فيما واصل صالحين الحديث مع ولده حول العجل والبقرة والمشاكل الاخرى.
فجأة قال صالحين بالنسبة لمشكلتك مع الجماعة ديل، تنفس اعضاء اللجنة الشعبية الصعداء اخيرا، لكن صالحين أعلن بعد فترة صمت:
يا ولدي أعمل ساتر واضرب اللواي.....(صوت صفّارة هنا بسبب الكلمة الخادشة للحياء العام!).
عندها فقط رأينا عثمان يبرز من خلف الجدار وقد اشرع سلاحه، اطلق عدة طلقات في الهواء كانت كافية ليلوذ الجميع بالفرار، حكومة ومعارضة وحتى الذين لم يقرروا الى أي معسكر ينضمون لاذوا ايضا بالفرار،وكان في مقدمة الفارين شيخ علي رئيس اللجنة الشعبية. انجلي المشهد بعد زوال غبار الهروب بعد قليل. لم يبق شئ سوى عدد كبير من الاحذية محلية الصنع والعمائم واللحي المستعارة التي تساقطت في حمى الهروب، ولا شئ آخر، تقدم العم صالحين وأمسك بيد ولده وإتجها في ضوء القمر الى البيت.
 

woensdag 10 juli 2013

لا أحد يشتم الحكومة!

بعد صلاة الظهر في المسيد إستلقى العم سعيد على برش الصلاة ليستريح قليلا ، كان شيخ النور يتحدث مع صلاح الجاز أمام المسيد ثم إنضما للحاج سعيد وجاء سليمان الأعرج بعد قليل.
رفع حاج سعيد جسده من على برش الصلاة وأصلح الطاقية القديمة فوق رأسه الأشيب وقال:
والله يا اخوان فارس دة زول ما ساهل، والله سبحان الله تشوف فارس هناك في البنك ما تشوفه هنا مافي زول جايب خبرو. بالله وكت دخلنا البنك الناس دي كسرت عليه، اليقول ليه يا شيخنا ويا مولانا انا قلت البنك يمكن حق الزول دة. اها المدير جة جاري وفارس واقف ما شاء الله بالجلابية والعمة والملفح تحلف تشوفو تقول الزول كوز كبير ولا شيخ طريقة. ماسك ليه سبحة صغيرة ويسبح انا متأكد هو ذاته ما بيكون عارف بيقول شنو. المهم دخلنا مكتب المدير وبعد شربنا الشاي والقهوة فارس قال ليه : عمي داير ليه سلفية ، الموسم قرّب، بعدين عمي دة مع انه كبر شوية لكن ما شاء الله بيقيف في الزراعة بنفسه، بيجيب مزارعين معاه لكن اربعة صباحا بيكون واقف فوقهم. وقال للمدير : ما تشوفو كدة ماشاء الله لسة زول نصيح هسع قبل كم شهر مرته الصغيرة ولدت. دة السمن، عمي دة يحب السمن يشربه وكمان ينقط كل يوم في النخرة! عشان كدة ما شاء الله لو اداك بونية يعمل ليك حبس بول!.
ضحك المدير وقال ما شاء الله ، ربنا يبارك في عمرك يا حاج. وشيخ فارس دة زول عزيز علينا ما بنرجع ليه طلب. انا مسكت خشمي في اخر لحظة كان قربت اقول : شيخ منو ؟ وكت المدير قال شيخ فارس.
المدير ملا الورق براه. مضيناه ومرقنا. وكت مرقنا برة. المدير مسكو على جنبة وقعد يتكلم معاه. انا في الحقيقة استغربت لأن فارس البعرفو دة ما عنده موضوع يتكلم فيه الا بس ياهو العرقي كويس، العرقي ما كان نضيف. ادونا حقنا. وان قلض يكورك: لا تبديل لشرع الله. وتاني مافي شئ. وكت راجعين سألته: كنتو بتقولو شنو انت والمدير؟ داير يستهبل قال لي دة شغل تنظيمي نحن الاتنين مؤتمر وطني!
قلت ليه سجمكم، ومؤتمر وطني ذاته كلام شنو التقولوه، ناس المؤتمر ديل ما ناس كلام ناس فعل بس. اسرق القروش دي ، اكتل الزول داك. انا داير اعرس مثنى وثلاث، داير اخلف الزول داك في اهله، ياهو دة حكمهم وسياستهم.
قال لي : خايف اقول ليك تمشي تكلم عمي الزين!
قلت ليه سرك في البير، نفس البير بتاعة المترة الاندفنت بالتراب لأن كم سنة الوابور راقد.
قال لي صراحة الزول دة عنده ولده بيبول في السرير وكت ينوم وانا قاعد اعالجه ليه!
ضحكت قلت ليه بقيت دكتور من ورانا ولا ايه!
قال لي دكتور شنو، بالبخرات ! بركة ساكت، الناس دي كلها تجي تتبرك فوقي. انت ناسي شيخ الامين جدى كان فقير بيعالج الناس؟
ضحكت يا الاخوان لغاية ما وقعت الارض. صحي النار تلدي الرماد، انا ذاتي نسيت ان شيخ الامين صحي جده.
قال لي يا زول هي بطل ضحك، وانت ذاتك والله ما تبوس لي يدي الا يوم اسخطك!
قلت ليه ناسك ناس الانقاذ خلو فوقنا حاجة تتسخط؟ الما سخطوه بالجوع والمرض اتسخط بالهموم، اهي الناس دي كلها ماشة في الشارع تتكلم مع نفسها. الزول تشوفو من بعيد ماشي ينضم براه تقول يمكن شايل ليه تليفون ولا حاجة، يجي يفوت جنبك مافي تليفون في ايده ولا اي شئ، وينضم ويضحك، مونس نفسه براه في امان الله!
تذكر صلاح الجاز شيئا وقال: قبل ايام مشيت الخرطوم قعدت لي قدام ست شاي اشرب لي قهوة. جا ماري جنبنا ولد شاب شعره مبهدل تقول ليه سنين ما شاف حمّام ، ولا بس ليه هدوم كدة تقول سنة ما غيّرها. اها ماشي يشتم في الحكومة، ويأشر على العمارات الطويلة ويقول : قروشنا اكلوها الحرامية وسووها طوب وحديد. دقونهم جارة في الواطة وسرّاقين، تسمع الله أكبر تقول خلاص بدر الكبرى. وهم صعاليك حرامية ساكت. انا استغربت لأن سامع البلد دي مافي زول يقدر ينضم فى الحكومة والا يروح فيها مافي زول يعرف ليه خبر تاني.
في راجل كبير قاعد جنبي شافني مستغرب قال لي: الولد دة جنّ جديد!
قلت ليه كيف. قال لي كلنا مرينا بالمرحلة دي، دة الفلس! اولادك عيانين ما عندك حق الدوا، جعانين ما عندك حق العيش، دايرين قروش للمدرسة، اها تعمل سنو، تقطع هدومك وتطلع الشارع براك تشتم الحكومة، تجدع الناس بالحجر، بعد شوية وكت تفتر براك تعقل، تقعد، حتعمل ايه. بس لازم تتاكد تكون بتشتم براك لو لماك مجنون اقصد زول تاني دة يبقى تجمهر تلقى نفسك الطيارة قامت ويدقوك بخرطوش الموية لغاية ما تعرف حاجة.
علّق شيخ النور ضاحكا: زمان كان في زول في شارع البلدية بيقيف اليوم كله يشتم النميري، ما كان في زول بيسأله لأنه عرفوه مسكين عنده ظروف وكدة. وكت جات الانقاذ وقف كم يوم يشتم، ديل طبعا ما بيفرزوا نصيح من عيان لموا فيه دقوه دقة نضيفة، مسك خشمه وقعد. قبل سنين كدة قابلته في مناسبة قلت ليه مالك وقفت تشتم ناس الانقاذ ديل. ضحك وقال لي بالجوع مروة نشتم بيها ذاته بقت مافي!
أمّن صلاح الجاز على كلامه: والله فعلا ديل ما بيفرزوا، مرة لقوا حسين ود حاج علي، طبعا هو مسكين عيان عنده مرض كدة بيكون ماشي وبيرجف طوالي، مرة ماشي في الشارع في امان الله، مروا بيه الجماعة بتاعين النظام العام. وكت لقوا الزول بيرجف قعدوا يكوركوا الله أكبر، قايلنه سكران البهائم. وقفوا رفعوه في البوكس، وماشين عشان يجلدوه، ويكبروا تقول حرروا فلسطين. الكويس كانوا قابضين ليهم زول من الحلة الفوق بيعرف حسين، قال لواحد من العساكر يا جماعة الزول دة مريض ، الزول دة ما قعد يشرب، كلموا الضابط قال ليهم الا نودي لي الدكتور هو اليقرر. اها وكت وصلوا ودوه المستشفى الدكتور الظاهر زهجان من العساكر والكيزان، كشف عليه وقال ليهم لو جلدتوه مليون جلدة الرجفة دي ما بتروح الزول دة عيان! اضطروا خشمهم ملح ملح فكوه ساكت!
قال شيخ النور: الدين دة سترة ما فضيحة والا ما كان قالو للزنا جيبو اربعة شهود عدول، زمان وكت البنت تحمل بدون زواج براحة كبير الحلة يلم ابوها وابو الولد ويعقدوا ليهم والموضوع انتهى ، ودة الدين سترة من الفضيحة. هسع يجوا ناس النظام العام يقبضوها ويقبضوا اي ولد تجيب سيرته تبقى فضيحة وسيرتها علي اي لسان. وفي النهاية يجلدوها في المحكمة لأنها قذفت الاولاد وما عندها شهود عدول! الناس ديل رافعين الدين سوط عشان يذلوا الناس. بعدين هم عندهم فهم ان السلطة دي هيبة، تلقاهم من رئيسهم مربطين وشهم ومكشرين، ويقول ليك مافي تهاون في دين الله. وهو حرامي وكذاب. تاني دين شنو الداير يتكلم فيه.
قال فارس الذي جاء متأخرا: يا اخوانا مهما كان رأيكم في الناس ديى لكن الناس ديل جاهدوا عشان ينشروا الدين!
قال سليمان الاعرج: وانت ليه ما مشيت جاهدت؟ ولا خفت الموت!
- لومت كان بموت شهيد وبعرس الحور العين
قال حاج النور: والله تشمهن قدحة. طيب داير أسألك ما دام عامل فيها مجاهد. انت وقت كان بيعقدوا للشهداء بتاعنهم على الحور العين البيكون وكيل العروس منو؟
ضحك شيخ سعيد وقال: يكون يي ترابي!
ترابي كان الماذون وفي النهاية وكت اختلف معاهم، قال الناس العقد ليهم ديل كلهم ما شهداء، ماتو فطايس ساكت.
قال شيخ النور: طول عمرنا دة فى دينا البنعرفه، صلاتنا وصيامنا وصلة ارحامنا، جارك اقرب من ولد امك وبيتك مفتوح للغريب والقريب، لا زول يبيت جعان لازول بيتظلم. الناس ديل جوا من وين عشان يقلبوا حياتنا دي كلها ويورونا الويل.
ثم نظر الى فارس وحاج سعيد وقال:يعني مدير البنك كمان كوز؟
قال سليمان الاعرج : طبعا لازم يكون كوز، ولد حاج نورين كان شغال في بنك في الخرطوم قال كل كم شهر يرسلوا ليهم مدير جديد، مؤهلاته كوز، لا خبرة لا اي شئ، اها قال اول يوم يجي البنك يقلع جلابيته يعلقها ويقعد بالعراقي ويقول ليهم شوفوا لينا دابة! يقصد لاندكروزر، اها اول ما يستلم الدابة تاني مافي زول يشوفه، يطلع سفريات ياخد بدل سفر بالدولار كم شهر يصلح احواله ويجيبو في مكانه واحد تاني، ما هودة التمكين الليقولو!
وقال شيخ سعيد: انت ليه يا فارس قلت لي ما اكلم الزين بحكاية علاجك لود المدير بالبخرات!
قال فارس: الزين لو عرف حيمشي للمدير يقول ليه شيخ الامين ابوي انا ودة ولد صعلوك ساكت. والمدير لو عرف شيخ الامين ابوه لو داير يتسلف قرو ش البنك كلها حيديه بضمانة جدى المات!

maandag 1 juli 2013

إعلان الجهاد على البنك



إعلان الجهاد على البنك!

 

كان الوقت آخر أيام موسم الدميرة، إنحسر خور أرقو بعد أن أغرق الجروف لعدة أسابيع، بدأت أصوات الحياة تخفت في العالم، إختفى الشباب من القرية معظمهم نزحوا الى مناطق تعدين الذهب. تحت شجرة النيم العتيقة في المسيد جلس سليمان الأعرج والعم سعيد وحاج النور يستمعون الى فارس يحكي آخر قصص مشاكله مع عمه:
عمي الزين كان ماشي الليلة الصباح البنك يشيل سلفية ،وما عنده زول يضمنو غيري والحقيقة انا لي فترة زايغ منو لأن آخر مرة ضمنتو وكت مواعيد السداد جات مرقها في الخرطوم، جوا ناس البنك قبضوني قعدت في الحراسة لغاية ما رجع على راحتو بعد ما لف على الانادي الفي العاصمة كلها ، ودفع ليهم قروشم.
اها انا لقيت الخبر في الحلة ان الزول دة ماشي البنك عشان يستلف تمويل الموسم، الصباح صحيت على زول يخبط الباب اها اول ما فتحت الباب لقيتو في وشي قال لي البس هدومك وامرق معاي دايرك ترافقني في مشوار مهم. حاول يخدعني قال لي: يمكن الجماعة الماشين ليهم يقلو أدبهم نحتاج لي عضلاتك القاعدة ساكت دي! وكت عرفت الموضوع بايظ قبل ما هو يتم كلامه ختفت الابريق وجريت على المرحاض، قعدت في المرحاض بهدومي، في فتحة في الباب قعدت اراقبه منها، بعد شوية مرقت وتاني ختفت الابريق ورجعت، كورك فوقي: مالك يا زول؟ قلت ليه والله اسهال شديد ما عارف الحاصل شنو. قبل ما اكمل كلامي تاني ختفت الابريق وجريت ، وانا قاعد في المرحاض قال لي طيب ما احسن تمشي معانا تقابل الدكتور، قلت ليه ما بقدر بالحالة دي لكن رسلت سليمان الاعرج للمساعد الطبي يجيب لي دوا. اها وكت عرف حجتي ميتة زهج خلاني جوة المرحاض وروّح! بعد ما اتأكدت هو مشى مرقت وقعدت ماسك الابريق في يدي مسافة قلت يمكن ما يلقى زول تاني يرجع لي ..

سأله سليمان: والزين هسع وين؟

قال فارس : مشى البنك وكت يكون عنده حاجة في راسو لازم يعملها والا تفك منو في نفس اليوم!!

قال سليمان: انت زول صعب يعني هسع لو مشيت معاه المشكلة شنو؟ لكن انت ذاتك ضمانتك تكون مرفوضة في البنك، انت ذاتك داير زول يضمنك عشان تقدر تضمن زول تاني!

قال فارس: يا اعرج الرماد ارعى بقيدك انا زول سياسي ومعروف!

ضحك الاعرج وقال: سياستك شنو، عشان مرة دخلت اللجنة الشعبية بعد ما كبار البلد رفضوا يخشوها وقالو ما بنبقى لعبة في يد شوية اولاد عاملين فيها كيزان سياد البلد! اها ادوك شوية سكر وقريشات خشيت معاهم وكمان حايم معاهم من بيت لي بيت تعمل ليهم دعاية وتقول للناس ديل ناس دين، بيخافو من الله ما بيمدو يدهم على مال حرام، ونحن عارفنهم ما بيخلو لا حلال لا حرام، والحكمة انت في حوامتك معاهم دي سكران! والغريبة الكيزان ديل كيف ما شموا ريحة العرقي الترمي الصقر الطالعة منك؟!

قال العم سعيد: لو دايرين يشموها كان شموها لكن هم وكت يكون محتاجين ليك لو جيت مستحمي بالعرقي يقولوا ليك يا شيخنا ويقدموك في الصلاة! لو ما زولم لو شارب شاي باللبن يبقوا ليك في رقبتك يقولوا ليك الشئ مريسة ويجلدوك في السوق!
أعلن فارس وكأن الأمر لا يعنيه كثيرا: ما تنسى انا مشيت جاهدت وجيت!

ضحك الاعرج بصوت عال، ولم يقل شيئا.

علق حاج النور: جهاد شنو، قالو كوستي ما وصلتها، طلقة واحدة في الهواء ورقدت صوف، جيت جاري جري الوحوش!

قال الاعرج: كوستي شنو، الخرطوم دي ما وصلها! ودوه معسكر دفاع شعبي في خلا ام درمان، أخد تلاتة يوم ، اليوم الرابع خلاهم واقفين في صلاة الصبح ومرقها في سوق ليبيا!

ضحك فارس وقال: التعلمجي كرهنا الشغلة، يوم لقاني سافي قال الا يبلعني السفة، قلت ليه يا زول انت الله ما ليك والا ايه؟ كل يوم شابكنا العسكرية تصرف، ولازم تطيع الأوامر بعدين تفكر! الكلام دة كله ما راكب مع بعضه. قلت ليه اشرح لينا الكلام دة كيف. ضرب لينا مثل، قال في عسكري فوق عمارة في الطابق العشرين ادوه تعليمات قالوا ليه يقفز للارض، اها وكت وقع ادوه تعليمات قالوا ليه: كما كوت!

قال الاعرج كما كوت يعني شنو؟

اوضح فارس: كما كنت معناها ارجع زي ما كنت في مكانك!
اها التعلمجي قال العسكري قالوا ليه كما كوت، ما نفذ التعليمات وقع مات!
قلت ليه لكن الزول يرجع كماكوت كيف وهو وقع!

قال لي اسمع يا مستجد نص ملكي ونص زول: وكت قالوا ليه كماكوت، كان لسة ما وصل الأرض، كان قصاد الطابق العاشر، والعسكرية تصرف!

ضحك عم سعيد وقال : ياها عقلية العساكر دي الودتنا التوج!

وقال النور: وكمان اتلموا عليهم الكيزان، نفس العقلية ونفس الفكرة. دايرين من الناس طاعة بس، يمكن العسكري معذور، ياها تربيته قايمة على ان الملكية ديل ناس ساكت وان الزول ما يبقى زول لو ما عسكري. الكيزان كمان يقولو ليك دة ما كلامنا، دة كلام الله، لو عندك راي فيه يكون عندك راي في الله! في دجل اكتر من دة! زول حرامى ودايرني اسمع كلامه لأن كلامه دة كلام الله!
علّق سليمان الاعرج: والله كلامك على العساكرصحي، ما شفتو نميري وكت جابوه في التلفزيون قال يا اخوانا العسكري اخير من الملكي، المذيع استغرب وقال ليه كيف؟ قال ليه الزول العنده قرش زي العندو قرشين؟ المذيع قال ليه لأ، قال ليه طيب! المذيع ما فهم شئ، قال ليه طيب شنو؟ قام شرح ليه: العسكري دة واحد هو مواطن ملكي اصلا وبعدين بقى عسكري يعني لامي الاتنين والملكي دة عنده واحد بس لأنه زول ملكي ساكت!

قال النور: والله انا سمعت الكلام دة، لكن اظن الزول كان في آخر ايامه بقى يهضرب، هو فعلا عنده شوية دروشة كان خصوصا وكت الناس يصفقوا ويهتفوا ليه كان مرات يطربق، يلغي حاجات ويرجع حاجات لغاها، لكن كلامه بتاع قرش وقرشين دة ظنيت كان عيان ولا شئ!
وقال عم سعيد: اها فارس انا ذاتي نويت السنة الجاية اشوف لي مزارع نشيط وأرجع للزراعةبعد تركتها كم سنة، ولدي الطاهر قاعد في السعودية ليه اكتر من سنة بدون شغل، بقى هو ذاته داير مساعدة. نسوي شنو قلنا نرجع زراعتنا تاني، في السن دي ما بنقدر نمشي الخلا نفتش الدهب! اها دايرك تضمني في البنك ما دام انت كنت لامي الجماعة ديل في اللجنة الشعبية وكمان مشيت معاهم الجهاد
ضحك سليمان الاعرج وقال: دة عشان ما يضمن عمه، مدعي المرض، لو انت جيتو حيقولو ليك الزول مات!
ضحك سعيد وقال: لأ الزين زول صعب، داير الضمانة وما داير يدفع حاجة، انا باتفق معاك بديك حقك في السلفية ولو الموسم نجح كمان بديك نسبة في الشمار!
قال فارس يا زول لو كدة ابشر تب، جهز مزارعينك وتقاويك، حرّم لو البنك ابى يديك نعلن عليهم الجهاد!
قال شيخ النور: انت هسة بدل شغل الاستهبال بتاعك دة لو قريت ما كان يمكن اتوظفت في حكومة ولا بنك وساعدت اهلك، سببك شنو ترفض القراية؟ زمنك الناس قروا مجان لا قرش لا تعريفة. هسع عيال الناس كلها في الحواشات أو سارحة في الخلا تفتش الدهب لأن ما عندهم قروش للقراية، وما عندك قروش يطردوك من المدرسة زي الكلب.
قال اسماعيل الاعرج: قبل ايام لقيت جريدة جابها واحد جة بالبص، قريت خبر عجيب، قالو ولد طردوه كم مرة من المدرسة عشان ما دفع الرسوم، اها والجنا حساس كلما يطردوه اهله مساكين ما عندهم شئ، امه تبكي وابوه يتحرج، ظروفم كعبة ودايرين الولد يقرا ياهو راسمالم وكت يكبروا والظروف تضيق اكتر. اها الشافع وكت احراج الطرد كتر عليه والمدرس البليد كل مرة يقول ليه : وكت اهلك فقرانين قراية شنو العليك ما تمشي تشتغل تساعدهم؟ اها الولد وكت تعب وما داير الاحراج وما داير يحرج اهله ، شنق نفسه بحبل ومات!
قال شيخ النور: لا حول ولا قوة الا بالله!
قال شيخ سعيد: بالله دة راجل دة؟ يعير ولد صغير جاهل بفقر اهله؟ سبحان الله. في الزمن الفقر، الفقر بقى عيب! مدرسين آخر زمن همهم بس القرش، زمان المدرس دة يربي الحلة كلها وهو اكتر زول فقران ورافع راسه لأن الراجل زمان كان بإخلاقه وكلمته. والله لو اعرف للمدرس الجاهل دة طريق الا بعكازي دة أجيب اجله.
علق شيخ النور: يا اخوي هي خربانة من فوق، المدرس كمان مجبور زيو زي بتاع الضرائب ولا الزكاة البيرسلوهم ليك. حكومة عملت التعليم استثمار وشركات ، بقى المدرس ما عنده ضهر، دخل سوق الله اكبر زيو وزي اي سلعة.
قال الاعرج الدنيا تغيرت يا ناس، مشت لا ورا لغاية ما بقوا العيال الصغار يكتلوا نفسهم والحكمة يقولو ليك دولة بتاعة اسلام. دة اسلام ؟ امال الكفر كيف؟ وين رحمة الاسلام؟ مسلمين جعانين ما عندهم شئ وابات دقون الحرامية نهبوا البلد، حرم قالو العيال فى مدارس كتيرة، فسحة الفطور ما بيمرقوا لأن ما عندهم شئ يأكلوه، بيوتم فاضية .
ارتفع في تلك اللحظة صوت أذان العصر، رفع فارس جسده من الأرض استعدادا للذهاب،
قال الاعرج: يا كافي البلا الأذان يطفشو طوالي الشئ تقول ابليس!
قال فارس والله انا بس ما مستعد للصلاة!
انتظر قال عمك سعيد، حاج توراب جايب غداء كرامة ، بنته الكبيرة وضعت وكانوا ضابحين
جلس فارس على الفور وقال: كان كدة بنحضر الصلاة!
ضحك سليمان وقال: من جاور قوما، بقيت كوز اصلى، ما تصلى لو ما عرفت حقك!

حين وصلت صينية الاكل، هجم فارس على صحن اللحم، في تلك اللحظة دخل الزين الى المسيد ووقف فوقهم: ما قلت عيان وعندك اسهال يا ابن الكلب، تراك هاجم على اللحم زي الكلب؟
دفع فارس اللحم في فمه ومسح بيده الزيت المتدفق حول فمه، اخرج علبة دواء من جيبه ورفعها في وجه عمه:
ما خلاص جابو الدوا يا عمي
!

السيد الرئيس يغرّد في تويتر

السيد الرئيس يغرّد في تويتر!
 



بعد أن عاد البلبل يغرد في حديقة القصر التي باتت تقع داخل حدود دولة اخرى، إستعاد السيد الرئيس معنويا بعض مظاهر سلطته الغابرة. عاد يذرع غرف القصر مثلما كان يفعل في الايام الخوالي، حين كان بالإمكان تأمل غروب الشمس فوق النهر العتيق فيما يتلاشى في روعة المشهد صوت أخر زخات رصاص يطلقها حرسه الجمهوري بعدإلقاء القبض على ضباط آخر محاولة إنقلابية حاولت إحتلال القصر الجمهوري، يا لروعة ذاك الزمان! يشعر بالحنين حتى لضباط جيشه الذين تورطوا في محاولات إنقلابية ضده! كل من يستيقظ مبكرا يستطيع ان يصل بقواته خلال دقائق الى القصر.
الان لا يبدو في عرين السلطة المهجور هذا سوى مسن يقضي شيخوخة مريحة في دار للمسنين لا يوجد فيها مسن غيره. يحضر الطبيب مرة كل اسبوع لمعاينته، لا يعطيه الطبيب أية إنطباع بأنه يملك سلطة ما، يلقي حقيبته بإهمال ، ويذهب الى المرحاض ، يتبول واقفا دون حتى ان يغلق باب المرحاض ثم يعود وهو يصفر لحنا سعيدا ينثره بإهمال فتختلط عدة مقطوعات لحنية في غمرة حماسه الموسيقي. يقيس له ضغط الدم، ويستمع بسماعته الى دقات قلبه الواهنة. حين لا يكون الطبيب متعجلا، يغريه بالجلوس قليلا ، يستمتع بوجود شخص ينتمي لعالم خارج القصر بات بالنسبة له عالما خياليا لم يتحقق يوما، مثله مثل النهر الذي كان يعبر أمام حديقة القصر في ساعات الأصائل، حاملا معه عبق رياحين أزمنة منسية لم تكن لتوجد الا في ذاكرته المثقلة بأخطاء الأزمنة السعيدة. يبحث عن مدخل مناسب يحاول به إقتحام ذاكرة الطبيب، الذي كان واضحا من حذره انه لا يريد ان يتحدث كثيرا، لابد ان مندوب الشركة الوطنية يحذره من الإفشاء بأية أسرار او أخبار خارج نشرة الأخبار الرسمية التي يشاهدها كل مساء. لا يصيبه اليأس من تهرب الطبيب من الاجابة على اسئلته. يجد نفسه بعد مغادرة الطبيب جالسا أمام جهاز التلفزيون.
لا جديد في نشرة الاخبار. السلام مستتب في ربوع الوطن، المواطنون السعداء يرقصون في الشوارع بعد نجاح الموسم الزراعي، الجراد طاردناه بطائرات الرش حتى غادر حدود الوطن، يا للكارثة! ينتبه كل مساء الى أنه سبق له سماع نفس نشرة الاخبار هذه في القرن الماضي! حين كان هناك نهر يشق الوطن من جنوبه الى شماله، حين كان بإمكانه سماع الوطن كله يغني في ساعة القيلولة. حين كان ضباطه الذين لا يقبلون الظلم يدبرون إنقلابا عسكريا كل ساعة، حتى أنه أعلن ذات إنقلاب عسكري تم أثناء القضاء عليه إيقاظه مرتين: ألا يستطيع الانسان أن يخلد للنوم لمدة نصف ساعة في هذا الوطن؟ دون وقوع إنقلاب أو كارثة ما!
فجأة رأى وجها يعرفه في جهاز التلفزيون، لم يشعر بأية خوف وهو يصرّح بصوت عال: أنا أعرف هذا الرجل لكنني لا أذكر اسمه! هل كان أحد مستشاري العصر الأول للجفاف، حين كانت ردهات القصر وغرفه تعج بالمستشارين الذين يملكون حلولا سحرية لمشاكل لم توجد بعد.
اشتكى للطبيب إنه لا يعرف شيئا عن أخبار الوطن، تصنع الطبيب الدهشة ثم قال: لكن الأخبار تصنع هنا عندك سيدي الرئيس!
دهش السيد الرئيس ليس فقط لأنه يسمع هذه العبارة للمرة الأولى منذ القرن الماضي ولكن لأن الطبيب أشار بيده حين قال تصنع الأخبار الى حديقة القصر التي باتت الآن خارج الوطن!
توقف الطبيب وهو يجمع حاجياته ثم قال بحذر، الاخبار كلها موجودة الآن على شبكة الانترنت!
قال السيد الرئيس: سمعت عنها لكنني لا أستخدمها أبدا!
تبسم الطبيب وهو يقول: رئيس الجمهورية ليس لديه إيميل أو حساب في تويتر!
قال السيد الرئيس : ما هو تويتر ؟ هل هو بنك لأفتح فيه حسابا؟
قال الطبيب وهو يتلفت حواليه حذرا شاعرا بأنه أرتكب خطأ ما:
يمكنك أن تغرد هناك!
ضحك السيد الرئيس للمرة الأولى منذ ربع قرن وقال: في الزمن الذي أعرفه كانت البلابل تغرّد! هل أصبح الرؤساء الآن أيضا يغرّدون؟ وأين؟ في البنوك!
عرف الطبيب أنه ربما تجاوز الحد المسموح به، فتعلل بمواعيد كثيرة وأن عليه الذهاب.
لكن السيد الرئيس أصر على معرفة المزيد.
كيف سيمكنني أن أغرّد؟ هل سأحتاج أنا أيضا الى الهروب من قفص القصر الى حديقة خارج الوطن لأغرّد من هناك؟
بدا الطبيب مستغرقا في التفكير كأن الفكرة تعجبه، ثم همس قائلا. هل جهاز الكمبيوتر هذا موصول مع شبكة الانترنت؟
قال السيد الرئيس: لم يحدث لي استخدام هذا الجهاز الا مرة واحدة قبل أكثر من عام حين أحضره شخص ما ثم حاول تلقيني كيفية استخدامه في الكتابة وحفظ ما اكتب عليه كما شرح لي. كنت أحب آلتي الكاتبة وحين تعطلت طلبت إصلاحها فأخذوها وأرسلوا هذا الجهاز ، من تعوّد على قضاء اكثر من عشر ساعات يوميا في قراءة التقارير الورقية وكتابة تعليقاته على الآلة الكاتبة يصبح صعبا عليه ان يعتاد على التعامل مع هذا الجهاز العجيب!
قال الطبيب: إنه ليس عجيبا، الآن يستخدمه الناس في كل مكان في العالم، للدخول الى شبكة الانترنت، وقراءة الاخبار والتواصل مع أشخاص آخرين في أي مكان في العالم ، يمكنك أيضا الحصول على برامج للتسلية او التعلم او المشاركة في مواقع عالمية اذا نشرت فيها اية تعليقات او اخبار يمكن ان يشاهدها الناس في العالم كله!
بدت الفكرة جيدة. إنكفأ الطبيب أرضا أسفل المكتب لفحص جهاز الكمبيوتر للتأكد من أنه موصول مع شبكة الانترنت.
علّق السيد الرئيس باسما: يمكنك إصلاح كل شئ إذن!
في اليوم الأول قضى السيد الرئيس وقتا طويلا بعد ان علّمه الطبيب كيفية البحث في شبكة الانترنت. بحث أولا عن النهر فوجد نفسه يغوص في متاهة تقارير وأخبار كانت تزيد الوضع غموضا في رأسه كلما توغل فيها. رأى الجدوى الإقتصادية لتحويل مجرى النهر تصب كلها في خانة التمويه المتعمد لحقيقة أن النهر بيع بالتقسيط المريح وأن الشركات الأجنبية قامت بتفكيكه وشحنته خارج الوطن. رأى خارطة الوطن وقد إنكمشت وتحولت الى جزر صغيرة موزعة فوق الصحراء. يا للكارثة هل باعوا حتى مشاريعي الزراعية التي كنت أزوّد بها مصانع لانكشاير بالقطن طويل التيلة؟
مضى يتفقد عاصمته القديمة، فراى أعلام الدول الأجنبية ترفرف في كل مكان، أين حديقة حيواناتي الجميلة؟ عندها فقط رأى الصورة الموجودة في ذاكرته منذ قرون، لأسد حديقة حيواناته وهو مشحون في قفص من خشب المهوقني في قعر سفينة شحن يونانية! يا للكارثة حتى أسود حديقة حيواناتي هاجرت من الوطن؟
فاجأه أذان الفجر فوق لوحة المفاتيح! تذكر أن الطبيب علّمه ضرورة اغلاق الجهاز بصورة محددة حتى لا يتلف، نسي كيف يحدث ذلك وقام بسحب فيشة الكهرباء تاركا الجهاز يفارق حياته الضوئية وأوهامه القوقلية فجأة.
إستيقظ ظهرا على صوت الآذان، كان سعيدا بالكوة التي انفتحت عليه من السماء ليعرف شيئا مما يدور في العالم من حوله. بعد أن شرب قهوته، تمشى قليلا في المساحة الضيقة أمام بوابة القصر والتي كانت تطل على الحديقة والنهر في الزمن الغابر. وجد الحارس الصغير الذي ساعده قبل أسابيع في إستعادة البلبل الى أرض الوطن. جلس بجانب الحارس على دكة خشبية وبدأ يسأله عن أحوال الناس في الخارج. قال الحارس: لم أر في طريقي سوى عمال أجانب. معظم الناس هاجرت من الوطن سيدي الرئيس.
قال السيد الرئيس: سوف أعثر عليهم جميعا الآن يمكنني الاتصال بالعالم كله!
لم يفهم الحارس الصغير كلام السيد الرئيس الذي أوضح:
انني استخدم شبكة الانترنت الان، هل تستخدمها أنت ايضا؟
قال الحارس انه سمع بها لكن لأن الخدمة تكلف كثيرا فهو لا يستطيع إستخدامها.
ثم أوضح: لقد تركت دراستي بسبب مصروفاتها العالية ووجدت هذا العمل مع شركة أمنية تحرس القصر حتى أساعد والدي، قبل فترة طردوا شقيقي الأصغر من المدرسة بسبب عدم تسديد رسوم الدراسة ولن يستطيع العودة للمدرسة حتى أتمكن من دفع الرسوم.
جحظت عيون السيد الرئيس وهو يقول: لكن التعليم مجاني لكل شعبي من الفقراء!
قال الحارس لا يوجد تعليم مجاني في هذه المدينة!
بدا الحزن والتفكير على وجه السيد الرئيس قبل أن يقول: هل قلت شركة أمنية، ألست عسكريا في الجيش، ضحك الحارس الصغير وقال: عن أي جيش تتحدث سيدى، لا يوجد جيش. هناك حرب لا تزال مشتعلة فيما تبقى من الوطن، لكن رجال الشركة الوطنية يخطفون الشباب من الأسواق والشوارع وبعد تدريب سريع يرسلونهم لمناطق العمليات. لذلك هجر معظم الشباب الوطن سيدي! لا تعليم ولا غذاء أو دواء ويريدون روحك أيضا لتحارب نيابة عنهم! من يريد الزواج عليه الموت أولا يا سيدي!
لم يستطع إنتظار زيارة الطبيب التالية وبحث بنفسه عن موقع تويتر، وقبل أن ينتشر ضوء الفجر ويبدأ البلبل في التغريد كان هو قد أرسل أولى تغريداته، لم يكن واثقا إن كان أحدا سيتعرف على إسمه، فالعجوز الذي مضى يتعفن في وحدة قصره بعد أن سحبت الشركة الوطنية التي تدير الوطن كل خيوط اللعبة من بين يديه، وتركت له فقط خيوط ذكرياته الضائعة في مدار النسيان، يغزل فيها طاقية إخفاء أوهامه وحرمانه، في ساعات الأصائل على هدى ومضات حنين غامض الى رياحين نهر ضاع في ذاكرته قبل أن يضيع في متاهة العالم. أملا في أن يعيد الحياة الى العالم من حوله. ويستخدم حيلة النجوم التي يعيد تثبيتها في الذاكرة من وحي خبرته القديمة في السفر عبر الصحراء مستهديا بالنجوم لتحديد مسار رحلته. هو العجوز نفسه الذي لم يعد يذكره سوى الحراس الذين يسهرون على حمايته رغم أنه كان يظهر أحيانا في نشرة أخبار التلفزيون، يقص الشريط إيذانا بإفتتاح مشاريع منسية أو يظهر في جولة تفقدية فوق ربوع الوطن لدحض شائعة إندلاع الحرب الأهلية مرة أخرى، أو يظهر وهو يقود قاربه في النهر لدحض شائعة إختفاء النهر.
كتب في تغريدته الأولى: أين ذهبت مؤسساتي التعليمية التي كانت تقدم خدماتها لفقراء شعبي مجانا؟
لم يعرف ان كان هناك من تابع تغريدته. فقد كان لا يزال يغط في نومه حين تم إيقاف خدمة الانترنت من القصر وتم سحب جهاز الكمبيوتر للصيانة وتنظيفه من الفيروسات التي باتت تتحكم فيه وتطلق التغريدات التي تسئ الى الشهداء وتفتح ثغرة في جدار (تماسكنا الداخلي ، وإجماعنا السكوتي) في زمن الإستهداف والحصار!