woensdag 17 juli 2013

إنقلاب عسكري في القرية

حين عدنا من رحلة السباحة في نهر النيل بعد أن هربنا صباحا من القرية بسبب منعنا من الذهاب الى نهر النيل الذي إرتفع منسوب مياهه ، من على البعد وجدنا القرية هادئة وقد بدأ المساء يرخى سدوله، قال احد زملائي هدوء القرية الشديد يثير الريبة ربما يقوم رجال الجيش بتفتيش القرية بحثا عن الشباب! فكّرنا قليلا ووجدنا انه من الافضل ان نتريث قبل ان نغامر بدخول القرية.
بزغ القمر فجأة فغرق العالم في الفضة، كنا نشعر بالجوع لكن الاسترخاء فوق كثبان الرمال القمرية كان رائعا ، كانت تتماوج من حولنا أصوات الصبية من على البعد يلعبون شليل في ضوء القمر ، اضافة لعزف وغناء على الطنبور يحملها هواء الدميرة في موجات متقطعة حسب اتجاه الريح.
فجأة سمعنا صوت اطلاق رصاص! يا للكارثة لابد أنهم رجال الجيش اذن! ولماذا يطلقون الرصاص؟ ربما هرب بعض الشباب او رفضوا اطاعة اوامر التوقف فأطلق الجيش النار عليهم! لقد حدث ذلك عدة مرات كما سمعنا حين حاول الشباب في احد المعسكرات الهرب لقضاء العيد مع ذويهم اطلق المجندون النار عليهم في ظهورهم دون رحمة.
شعرنا بالقلق والخوف حتى اننا قررنا ان نعود لنعرف ما يحدث حتى وان كان هناك خطر علينا، كنا نشعر بخوف شديد، هل هناك شخص اصيب من اطلاق النار؟ تقدمنا داخل القرية بحذر لكننا فوجئنا بوسط القرية هادئ تماما ولم نجد أحدا في المسيد رغم ان موعد صلاة العشاء قد اقترب. جلسنا امام المسيد على امل ظهور شخص ما يشرح لنا ما يحدث في القرية.
فجاة سمعنا مرة اخرى صوت اطلاق رصاص من على البعد، بدا لنا قادما من الجزء الشمالي للقرية، فتحركنا فورا الى اتجاه اطلاق النار.
حين وصلنا وجدنا عددا كبيرا من اهل القرية يقفون في ميدان مفتوح في المنطقة المطلة على المزارع. لم نتبين الوجوه جيدا في ضوء القمر لكن كل كبار رجال القرية كانوا موجودين هناك، يتقدمهم عظماء القرية الذين يقفون في المقدمة، كان هناك شيخ علي رئيس اللجنة الشعبية و حوله كل اعضاء اللجنة الشعبية في القرية. عرفنا ان شابا هرب من الجيش كان يطلق النار في الهواء من سلاحه وقد فزع رجال اللجنة الشعبية لاعتقادهم بوصول بعض الحركات المتمردة الى مشارف القرية. عرفنا أن الشاب هدد بضرب القرية ان لم تجاب مطالبه.
كان شيخ علي يحمل ميكرفونا في يده ويتحدث مع الجندي الهارب طالبا منه تسليم سلاحه والاستسلام. وكان هناك شخص يحمل الميكرفون ويناوله للجندي عبر حائط قصير كان يقف خلفه. كان كلام الرجل واضحا يجب خروج جميع الاشخاص الذين ينتمون للنظام من القرية والا انه سيقوم بفتح النار على الجميع!
اعطى شيخ على المايكرفون الى شيخ النور وجدها شيخ النور فرصة لشتم الحكومة على الهواء، قال له : يا بني كلنا معك ان هؤلاء مجرمون دمروا البلد لكن ما ذنب اهل هذه القرية كي يدفعوا الثمن؟ الا يكفيهم ما هم فيه من فقر وفشل للموسم الزراعي !
حين تسلم الميكرفون رد الجندي على شيخ النور: انا افهم كلامك يا شيخ النور واعتذر عما سببته لكم من مضايقات لكن هؤلاء الكلاب لا يفهمون الا لغة السلاح!
وكان الناس يتسلمون المايكرفون ويتحدثون مع الجندي بطريقة اشبه ببرنامج ما يطلبه المستمعون. فيما كان شيخ علي ينظر كل دقائق الى ساعته ويقول: لقد تأخر رجال الجيش!
قال له شيخ النور: الجيش فاضي ليك وين عشان يجي لي موضوع زي دة. انت ما تتفاهم مع الزول دة.
لكن شيخ على كان عنده فكرة اخرى. نظر حوله وتساءل:
أين صالحين والد هذا الصبي؟
قال احد اعضاء اللجنة الشعبية يكون سكران في بيته اصلا هو وولده بيسكروا مع بعض!.
رد عليه شيخ النور: مالك ومال الناس بعدين الولد دة انت قبضتوه من الشارع ووديتوه الجنوب يحارب بالقوة معاكم، انتم اصلا لو مقتنعين دة جهاد ما تمشوا تجاهدوا بدل ترسلوا اولاد الناس المساكين وانتوا قاعدين هنا ورا العرس والدنيا.
بعد قليل حضر الأب ، ترجاه شيخ على، يا صالحين قطعة الارض الطلبتها خلاص صدقناها ليك وحأشوف ليك حواشة في المشروع الجديد بس عليك الله شوف لينا ولدك دة يسلم سلاحه عشان مصلحته هو ذاته ومصلحة البلد.
امسك صالحين بالمكرفون وقال: اذيك يا عثمان كيفنك، والله مشتاقين ليك من ما ناس الجيش ساقوك ونحن نفتش في اخبارك. كان شيخ علي يتعجل في صالحين،: خلي السلام هسع يا شيخ صالحين وقول للولد يسلم السلاح.
لكن العم صالحين مضي يتونس مع ابنه ولم يعر كلام شيخ علي ادنى اهتمام.
يا ولدي نعجتك ولدت، والحمارة الكبيرة ماتت. والموسم السنة دي فشل. حسين خلى المدرسة، كل يوم يطردوه عشان ما دفعنا الرسوم مشى الخلا يفتش الدهب. والحمدلله نحن بخير. امك بتسأل عليك كان عندها ملاريا وديناها الحكيم قال لازم تتغذى كويس واداها شوية حبوب لكن لسة راقدة. والحمدلله نحن كويسين.
قاطعه شيخ على: يا شيخ صالحين الحكاية شنو نحن جايبنك عشان تحكي قصة حياتك ولا كان رايح ليك ماكرفون وناس تحكي ليهم . خلصنا اعمل معروف وخلي الزول دة يجي يسلم سلاحه وانا اضمن ليك الموضوع ينتهي هنا دة وولدك تاخدو في يدك وتمشي هسع.
قال شيخ النور لسليمان الاعرج الذي يجلس بجانبه: كضاب، وليه اتصل بناس الجيش وقالوا ليه حنرسل ناس عشان يقبضوا عليه لأن هارب من الجيش!
واصل صالحين وكأن شيخ علي لم يتكلم معه ابدا:
يا ولدي لو قدرت بعدت من الناس ديل لازم تجي تزرع السنة دي عشان تساعد ابوك انا خلاص العيشة غلبتني يا كمان تشوف ليك طريقة تمشي عمرة. اخوك خلى المدرسة وامك عيانة وانا ذاتي والله تعبان والرطوبة قربت تحميني المشي، العجل وديته بعته في السوق عشان نعالج امك!
خاطب شيخ علي شيخ النور: يا النور ما تتكلم مع الزول دة يخلصنا من الحكاية دي.
قال له النور: انت مستعجل مالك ما كلام الزول دة حيخلي الولد يهدأ ويجي براه لو صبرت شوية، ثم ضحك شيخ النور وقال: طبعا يا شيخ علي انت داير تحاول تخلص الموضوع قبل ناس الجيش يجوا عشان تعمل فيها فعلا زعيم للبلد وكلمتك مطاعة!
شعر شيخ علي بالحرج لكنه هز رأسه ولم يقل شيئا.
واصل صالحين الحديث الهوائي مع ولده: والله يا ولدي من ما ناس الجيش ديل ساقوك، امك مرضت وطوالي كلما تسمع حركة في الباب تقول دة عثمان، قبل يومين ابو البشير كورك فوق الشجرة أمك رفعت راسها اول مرة من كم يوم وقالت: عثمان جة، ثم ضحك وقال ابو البشير شافك جايي لكن ما شاف السلاح المعاك دة!
كان شيخ علي يتململ وينظر الى عقارب ساعته الفسفورية ويصلح من وضع عمامته الضخمة، فيما واصل صالحين رواية الحكايات لولده وبدا المشهد مثل أم تهدهد صغيرها قبل ان يخلد للنوم:وكت بعنا العجل قلنا نوفر شوية قروش نصلح البيت شوية قبل ما ترجع لكن العلاج غالي يادوب تمن العجل كفى تكاليف علاج امك وما قدرنا ندفع لي حسين عشان يرجع المدرسة هسع مشى في الخلاء يفتش الدهب. هناك قالو انت وحظك يمكن تقعد سنة كاملة ما تلقى اي شئ. دة غير التعب والمشاكل.
تمكن شيخ علي من العثور على سليمان شقيق صالحين واحضره، تحدث سليمان مع صالحين وترجاه ليطلب من عثمان تسليم سلاحه ليذهب معهم الى البيت لأن امه في انتظاره.
رفع صالحين الميكرفون، حمد شيخ علي الله لأن المشكلة على وشك ان تنتهي: قال صالحين يا عثمان: متذكر .. ثم صمت برهة شعر بها شيخ علي كأنها دهر، ثم واصل: شجرة الليمون الكنت زرعتها قبل ما تمشي؟
سقط شيخ علي ارضا من فرط المصيبة. فيما واصل صالحين الحديث مع ولده حول العجل والبقرة والمشاكل الاخرى.
فجأة قال صالحين بالنسبة لمشكلتك مع الجماعة ديل، تنفس اعضاء اللجنة الشعبية الصعداء اخيرا، لكن صالحين أعلن بعد فترة صمت:
يا ولدي أعمل ساتر واضرب اللواي.....(صوت صفّارة هنا بسبب الكلمة الخادشة للحياء العام!).
عندها فقط رأينا عثمان يبرز من خلف الجدار وقد اشرع سلاحه، اطلق عدة طلقات في الهواء كانت كافية ليلوذ الجميع بالفرار، حكومة ومعارضة وحتى الذين لم يقرروا الى أي معسكر ينضمون لاذوا ايضا بالفرار،وكان في مقدمة الفارين شيخ علي رئيس اللجنة الشعبية. انجلي المشهد بعد زوال غبار الهروب بعد قليل. لم يبق شئ سوى عدد كبير من الاحذية محلية الصنع والعمائم واللحي المستعارة التي تساقطت في حمى الهروب، ولا شئ آخر، تقدم العم صالحين وأمسك بيد ولده وإتجها في ضوء القمر الى البيت.
 

Geen opmerkingen:

Een reactie posten