maandag 28 oktober 2013

الجراد في زمن الكيزان!



بدأ موسم الزراعة الشتوي، ورغم أن الجو كان لا يزال حارا، لكن عددا من المزارعين جازفوا بالبدء في الزراعة رغم الخوف من آثار سلبية لتأخر البرد.
كان حاج النور جالسا متكئا على حائط المسيد القصير، وفي مواجهته يجلس حاج سعيد، فيما وقف صلاح الجاز وأستاذ حسين المدرس في المدرسة الثانوية يتحدثان في الخارج. كان استاذ حسين يبدو متعجلا لكن صلاح الجاز أقنعه ليصلي المغرب ويبقى معهم لبعض الوقت.
قال استاذ حسين: ناس اللجنة الشعبية قالو الجاز حيجي خلال أيام، يا رب في ناس حتزرع السنة دي، الشباب كلهم في الدهب!
رد حاج سعيد: مجبورين نحن العجائز نزرع، لو بنقدر نمشي الدهب ما كان فضل زول في الحلة دي!.
قال شيخ النور: موسم جديد بنفس المشاكل القديمة. لا جاز لا تمويل، وكمان مافي برد. الاولاد الشباب طلعوا مظاهرات قعدنا نتفرج فيهم والكيزان الناقصين يضربوهم بالرصاص. أولاد صغار يضربوهم بالرصاص في صدورهم عشان يكتلوهم، شباب ياهم راسمال البلد دي بعد الكيزان دمروا كل شئ، قسموا البلد وخربوا المشاريع الزراعية، ونحن ساكتين تقول الكتلوهم ديل ما اولادنا ولا مستقبلنا ومستقبل بلدنا. الحصل علينا شنو يا اخوان؟ و البيحلنا من الناس دي شنو؟
قال حاج سعيد: يحلنا الحل بلة!
قال شيخ النور: والله بلة ذاته لو جة في زمن الكيزان دة ما كان لقى البيحلو ! 
ضحك استاذ حسين من حكاية بلة وقال: هم يفرحوا وكت يلقوا الناس يئست. هم عندهم ميزانية عشان يخلو الناس تيأس. المظاهرات دي ضربوها ضرب الخوف. الزول الخايف وكت يضربك تاني ما تقدر تقوم. لكن في النهاية هو بيكشف نفسه انه ضعيف و خايف، ونهايته مسألة وكت!.
علّق شيخ النور: والفايدة شنو اذا كنا نحن ذاتنا أضعف من الضعيف دة، اكتر من خمس وعشرين سنة يضرب فوقنا زول ناقص، حتى لو هو بقى هسع جنازة، نحن برضو ميتين وما قادرين نرفع رقبتنا عشان ندفن الجنازة الاسمها الانقاذ دي!
دخل سليمان الأعرج في تلك اللحظة، قبل أن يجلس جيدا على الأرض قال:
(السيدين) كان فرصتهم يكفروا شوية من اخطاءهم ويقيفوا مع الشارع لكن كالعادة فوتوا الفرص، لأن الناس ديل شايفين نفسهم سلطة في الحكم ولا برة ما فارق معاهم. لكن هم ما عارفين حاجة الناس وعت. والاجيال الجديدة دي ما بتعرف سيدي. دة جيل انترنت ، البديل بيطلع منه من معاناة الشارع، من الناس الشايفة اهلها بتعاني. الطائفية دي خلاص زمنها راح لو عندهم فهم للدنيا الاتغيرت، ودايرين يكسبو شوية زمن، مفروض يقدمو ناس كويسين ، قصة القداسة دي تاني ما بتأكل عيش!.
وافقه استاذ حسين: كلامك صحيح البديل حيجي من رحم حواء السودانية، النظام واحد من أهم اساليبه لتيئيس الناس من التغيير، الكلام عن البديل، يقولو اذا نحن مشينا حيجيكم ود المهدى والميرغني، وديل ناس فشلوا وأدمنوا الفشل اخير ليكم نحن. لكن الشباب الجديد الطلع في سبتمبر، شباب قلبه على بلده وعلى اهله، شباب واعي ومتابع الحاصل في الدنيا كلها وصعب أي زول يخدعه. وديل هم البديل. وكت قامت الثورات في بلاد كثيرة الناس ما فكرت في البديل، لأنها وعت وعرفت ان البديل نظام وقانون مش أشخاص. لو في قانون بيساوي الناس ويحاسب البيغلط ما مهم الصندوق بعداك يجيب منو. بعدين سنة الحياة ان الوجوه القديمة دي ما حتقدر تتماشى مع زمن جديد بأفكار جديدة. وفي النهاية البديل لا يمكن الناس تخاف منه لأن الناس عرفت أن النظام دة يستحيل يكون في أسوأ منه في الدنيا كلها. 
قال حاج النور: الحزب الاتحادي دة زمان كان عنده وجود في المنطقة دي، لكن وسط الأجيال الجديدة بقى ما عنده وجود عشان كدة في اخر انتخابات قبل انقلاب الانقاذ جوا الكيزان غشوا الناس وقالو نحن ناس دين وعاوزين نطبق الشريعة. الناس مساكين بيفتكروا اي زول يتكلم في الدين دة معناه زول نضيف ما حيسرق حق الناس او يظلمهم، الظلم الظلمونا الكيزان والسرقة السرقوها مافي زول في الدنيا سبقهم عليها. لكن حتى لو قلنا الكيزان انكشفوا وانتهوا الاتحادي تاني ما حيرجع. الا اذا شباب الحزب مشوا ورا على محمود حسنين على الاقل هو زول عنده مبدأ وما اتنازل ابدا. اما ناس حزب الأمة اخير الإمام دة يتفرغ للامامة ويدي الاجيال الجديدة فرصة، اولاده كمان اتلوثوا مع الكيزان، البنات أحسن على الاقل بناته ما اتنازلن ووقفن مواقف قوية، حتى واحدة كسروا ليها الكيزان يدها.
قال استاذ حسين: الطائفية ما عندها مستقبل، الاجيال الجديدة منفتحة على العالم بفضل الانترنت، الناس في البلدان الحكم الديمقراطي فيها ثابت وقديم، معظمها ما عندها ولاء لحزب، بتشوف برنامج الحزب البيحقق مصالحها وطموحاتها وتصوت ليه، يعني ممكن الزول يصوت ليك المرة دي وعادي المرة الجاية يصوت لي حزب تاني، والناخب بيحاسبك بالصندوق، لو ما نفذت البرنامج النزلت بيه ما بيديك صوته تاني. 
قال حاج سعيد: تاني ناس عاش ابو هاشم ولا نصادق الا الصادق ديل ما حياكلوا عيش يعني!
بعد الصلاة إستأذن استاذ حسين خارجا، رغم محاولات حاج النور وحاج سعيد معه ليبقى للعشاء.
نظر حاج النور ناحية سليمان الاعرج وقال: صاحبك وين يومين ما ظاهر؟ ولا يكون مشى الخرطوم تاني يجتمع بالريس!
ضحك صلاح الجاز وقال: يكون صادر ليه برميل عرقي لو ما خلص ما حيظهر تاني!
قال حاج سعيد: أريت كان يجيب ناس الشرطة الشعبية بتاعنو القاعدين ساكت ديل يساعدني نبني حائط البيت الوقع بسبب المطر!
علّق سليمان: قالو الوالي بتاع الخرطوم منع الناس تبني الجالوص!
الوالي الهي ما يلقى الوالي، نحن بلحيل بنحب الجالوص، خلي يدينا الاسمنت نبني بيه، شركاتهم قالو محتكرة تجارة الاسمنت يكون لقوها فرصة يبيعوا للناس بالقوة!
قال شيخ النور: جراد وغلاء وجوع، وكمان يضربوا اولادنا بالرصاص في صدورهم ورؤوسهم!.
قال سليمان الاعرج: أمس شفت لي حلم عجيب، قال ناس اللجنة الشعبية مجتمعين في حوش المدرسة عشان يشوفو طريقة يحاربوا الجراد، والجراد واقف فوق سور المدرسة منتظر نتيجة الاجتماع! والاجتماع طوّل، الجماعة يتناقشوا في الموضوع يمكن تلاتة يوم ولا اسبوع ما عارف! والجراد منتظر، واحد يقول نحرق البلد عشان نحرق الجراد! وواحد يقول نسمم عيش ونكبه للجراد، نط واحد قال ليهم لكن الحمير والبهائم يمكن تاكل العيش المسموم! رئيس اللجنة قال ليه ما مشكلة نكلم اي زول يربط حماره ويلم بهائمه! واحد قال طيب يا اخوان يمكن زول جعان ياكل من العيش! رئيس اللجنة قال ليه ما مشكلة يموت تلت ناس البلد عشان الباقين يعيشوا حياة كويسة وآمنة! واحد قال نجيب الفقرا يقروا للجراد! نط واحد قال ليه فقرا الزمن دة والله جرادة في الكف ما يطيروها! نط واحد قال نجيب الجن، الجن المسلم، أصلا زمان في زول اقترح قال عشان نحصّل العالم الإتقدم علينا الا نجيب الجن! يا زول وكت الكلام جرّ وأبى يخلص، الجراد زهج، وفجأة إنطلق على ناس اللجنة الشعبية ديل زي الفكوه بمدفع، وأبات دقون ديل جروا جري الوحوش! لامن فارقوا البلد بإتجاه الصحراء، أها بعد ما الجراد سكاهم وجروا لغاية مرقوا برة الحلة، جينا نحن شلة من ناس البلد في المحل عشان نسألهم عملو شنو في موضوع الجراد، ما لقينا شئ غير جبل من المراكيب خلوها الجماعة وكت الجراد سكاهم!
ضحك حاج سعيد وقال: اذا كدة أبشروا نبوءة المرحوم حاج حسين ان الكيزان حيجي عليهم يوم يخلوا مراكيبهم ويجروا، وكتها جة خلاص!

zondag 20 oktober 2013



الشيطان يحمل بندقية

في المسيد كان سليمان الاعرج جالسا فوق برش الصلاة يتوضأ من إبريق الماء البلاستيك، أبريق الماء فقد لونه بسبب الزمن وتشققت حوافه، وأصبح يسرّب من الماء أكثر مما يحتفظ به. جواره كان فارس يرقد مضطجعا بملابسه الرسمية وبجانبه بندقية.
في تلك اللحظة دخل شيخ النور الى المسيد، لمح الزي الرسمي النائم فوق برش الصلاة وقال: ما شاء الله الليلة حنصلي في حراسة الحكومة! فارس كان يغطي وجهه بيده، لم يتحرك من مكانه أو ينظر الى حاج النور.  
ما تقوم يا ولد تستعد للصلاة والا خلاص عشان بقيت مؤتمر وطنى عفوك من الصلاة!
قال سليمان الأعرج: ولا يمكن عشان عنده بندقية بقى ما خايف ولا حتى من الله!
قال فارس دون أن يتحرك: أنا عندي رخصة!
ضحك شيخ النور وقال: رخصة رمضان عرفناها، غشيتنا قلت عندك الكلى، وانت زي الحصان، والا بعد بقيت شرطة شعبية سويت ليك رخصة كبيرة، شاملة العبادات كلها!
قال فارس: عندي ملاريا!
قال حاج سعيد الذي وصل في تلك اللحظة: ملاريا كيفن ما تجيك ، كل يوم سهران ليك في بلد، وحايم مطلوق وسط الحلال، المرة دي كاشفة شعرها والزول دة سكران والزول دة شرع في الزنا!.
نعمل شنو ما نحن لازم نسهر عشان انتو تنوموا بأمان!
ضحك شيخ النور وقال: اذا الرباطي الحرامي صاحي ، وحايم بسلاح كمان عينك يا تاجر،  حاميها حراميها. الأمان يجي من وين؟! وكت تكون انت ولا واحد من كيزانك جنبنا نحن صاحين بالنهار بنكون خايفين، خليك من الليل!
أعلن فارس بفخر سلطوي: الاسبوع الفات أولاد المدرسة الثانوية طلعوا مظاهرة، لو ما وقفنا ليهم دقيناهم دق الرخصة، كان دخلوا الحلة حرقوا ممتلكات الشعب!
ضحكوا جميعا لحكاية ممتلكات الشعب، وقال شيخ النور: وينها ممتلكات الشعب؟ شوية القصب الناشف ولا بيوت الجالوص المكسرة دي ولا مخازن العيش الفاضية الا من العنكبوت؟ والا الزرايب الما فيها غير نعجة عرجاء، يا حمار دراوي ضهره كله دبر، ممتلكات الشعب زمان جماعتك دقوا فيها الجرس. يا ريت لو كان عندنا ممتلكات يحرقوها!
قال سليمان الأعرج: بعدين قالو ممتلكات الشعب دي قاصدين بيها ممتلكات الكيزان، هم العندهم ممتلكات، قروش البترول سووها عمارات وطرمبات بنزين وشركات، ناس قريعتي راحت طلعوا من البترول بقد البرميل اقصد القفة!
قال حاج النور: حتى شوية الطرمبات القالو الناس حرقتها ، كضابين، فضوها من البنزين وحرقوها براهم عشان يلقوا سبب يضربوا الناس المساكين المرقت بالجوع والهملة، يضربوهم بالرصاص.
قال حاج سعيد: الناس بقت واعية وعرفت الكيزان ناس كضابين وحرامية، والدين دة رافعنه ساكت تجارة، عشان كدة تاني ما في زول بيصدقكم،
قال فارس: الحقيقة الاحتجاجات كانت قوية المرة دي، أنا فكرت استقيل من الحكومة! لكن قلت كدة نصبر شوية يمكن القصة دي تعدي ساكت!
ضحك شيخ النور وقال: إنت بقيت زي السيدين، كراع جوة وكراع برة! إستقالتك جاهزة مكتوبة، ترميها في آخر دقيقة قبل البيان الأول!
علّق سليمان: (السيدين) دايرين الأولاد يموتوا بعدين يتحركوا عشان يركبوا الموجة الجديدة! ولو الشباب فشلوا يكونوا هم ما خسروا حاجة! لو الشباب نجحوا يجوا هم حكّام ولو الشباب فشلوا، البركة في أولادهم المساعدين!
قال صلاح الجاز: والله مساعدين السرور، مساكين نحن عمرنا كله شغالين مساعدين، ما لقينا شئ بلا التعب، أرفع الصاجة، أحفر تحت اللستك، غيّر زيت اللوري. يا ربي هسع مساعدين الريس ديل شغلهم شنو؟
ضحك شيخ النور وقال: مافي فرق كتير، الريس برضه زي اللوري القديم، المكنة خفيفة، كلما يوحل، المساعدين لو شداد يمرقوا، بس الشغل في القصر نضيف شوية وما فيه تغيير زيت وكدة! الريس ذاته مسكين مشغول بموضوع السفر، وكت غلبه يمشي أي محل في الدنيا، مشى الحج! أهو قال منها حجة وزوغة، لو لقى ليه عقد عمل ماله ومال تعب الحكم، كلما يفصل ليه بلد، يقول يرتاح شوية، الجنبها تقوم، فتر مسكين، حتى رقيصه قلّ الزمن دة!
قال حاج سعيد: يا ربي تاني يرقص بعد الحج؟
علّق شيخ النور: ما أظن هو مشى يتوب من الرقيص! انا مستغرب بعد الشباب الكتلوهم ديل كلهم، كيف زول يكون عنده نفس يمشي الحج زي الما حصل أي شئ!
واصل فارس كلامه كأنه لم يستمع لكلام شيخ النور وحاج سعيد:
 الحقيقة أنا كتبت إستقالة، لكن عملت زي نظام السيدين، وكت لقيت الشارع هدا شوية قطّعتها!
ما كان تخليها يمكن تحتاج ليها قريب!
كتبت ليهم شنو؟
والله أنا فكرت أعمل إنقلاب، بدل الشرطة الشعبية دي لو كان ودوني دفاع شعبي، كان عملت إنقلاب أبيض!
قال حاج سعيد: أبيض ولا أحمر، المهم كنت داير تقول شنو للناس؟ أوع تقول جايي أنقذكم!
لالا، إنقاذ شنو، الناس عرفت خلاص، انا حأقول: من أجل الديمقراطية والثورة والتعددية والوحدة الوطنية!
يا زول دة كلام كبير، إنت ما بتقدر عليه!
بعدين بقول في البيان الاول ان البلد إتقسمت وإتدمرت، والناس إتفتنت ورقدت سلطة في بعضها، والجوع دخل البلد رغم ان بلدنا بلد غني، لكن بسبب السرقة والفساد والمحسوبية. اما السيد الريس فقد اضاع وقته ووقت امته في الرقيص والكلام وضرب الناس المساكين بالرصاص!
قال سليمان الأعرج: تراك حافظ بيان جماعتك الاول!.
رد فارس بسرعة: البيان دة ذاته ينفع للزول الداير يقلبهم اكتر مما كان يناسب انقلابهم!
ضحك شيخ النور وقال: شيخ حسين الله يرحمه كان دايما يشتم الكيزان، وكلما يلقى مداحين في المولد ولا الحولية يقول ما دام الكيزان حكمونا ديل كمان قريب حيحكمونا. قلنا ليه يا شيخ حسين بالك الكيزان القالو تاني ما يسلموها الا عيسى ديل حيتفكوا من الرقبة. كان راجل حكيم، قال أنا ما بحضر وكت يمشوا لكن صدقوني حيجي عليهم يوم، حيخلو مراكيبهم ويجروا!
كأن فارس خاف لذكر نبوءة الشيخ حسين ، صمت قليلا ثم أعلن: يا اخوانا لو حصل شئ، انتو عارفني زولكم، بعدين انا الوحيد المشيت وقفت ضد الناس ديل في الانتخابات، وكنت داير انزل ضدهم، وعملت برنامج التأصيل الأصلي، مش التأصيل المضروب بتاعهم، وحتى وكت غشوني وقالو حنعملك مدير ولا وزير، مرقت في النهاية بمنسق شرطة شعبية ودي ذاتها والله يا الاخوان ما قاعد اشتغل فيها ضد الناس المساكين.
قال حاج سعيد: انت مشكلتك لا ضد مسكين لا ضد حرامي!
لو داير تقدم السبت عشان بكرة بكرة وكت الشارع دة يطلع تاني مافي شئ بيقدر يوقفه، الشباب قتلوهم، اسرهم قالت ديل فداء للبلد دة. الناس تاني ما بتخاف، والتمن الغالي حيدفعوه الكيزان الكتلوا الناس ودمروا البلد ونهبوها.
لو داير تقدم السبت تستقيل هسع وتكشف للناس عمايل الناس ديل!
الاستقالة دي خلوها شوية يا اخوان، نحن لسة ما شفنا حاجة، والله بس كراعنا حارة وكت قربنا على الوزارة الشغلة اتقلبت، الناس دي صابرة على عمايل الكيزان ديل اكتر من عشرين سنة. الكيزان ياهم الكيزان، من يوم جوا سرقة وكتل، وكت هسع خلاص قرّبت تستوي والوزارة بقت خلاص شايفها بعيني، الناس صحوا من النوم، سحر الكيزان العاملنو للناس فجأة راح، والناس يادوب شافت انها مظلومة!
قال حاج النور: انت ما فوقك فايدة، خليك مع ناسك ديل. ياهم شبهك.
حضر في تلك اللحظة عبدالرحيم و محمد الحسن إمام المسجد، أقام سليمان الأعرج الصلاة. حين وقفوا في صف الصلاة، نظر فارس حواليه وتذكر قصة السبت والأحد، وقف بدون وضوء بجانب حاج سعيد في صف الصلاة الثاني، لكن حاج سعيد إبتعد منه.
قال فارس: ما تقرّب يا حاج وتضم الصف.
قال حاج سعيد: أقرّب منك إنت؟  ليه؟
عشان الشيطان ما يدخل بيناتنا!
شيطان! قال حاج سعيد مستغربا وفي شيطان غيرك وغير جماعتك الكيزان؟
إبتعد حاج سعيد مسافة اكبر تاركا فارس وحيدا وقال قبل أن يكبّر للصلاة:
شيطان وشايل بندقية كمان!.






donderdag 10 oktober 2013


رانيا مأمون أمام المحكمة بتهمة إثارة الشغب!
رانيا مأمون أمام المحكمة بتهمة إثارة الشغب!




تمثل الاستاذة الروائية والقاصة رانيا مأمون صباح اليوم أمام المحكمة بتهمة إثارة الشغب!
بسبب مشاركتها في مظاهرة ضد السلطة غير الشرعية تعرّضت الاستاذة رانيا مأمون وشقيقها للتعذيب والاهانة من قبل ربّاطة جهاز الأمن السوداني سئ السمعة. لم يكتف الربّاطة بضربها هي وشقيقها دون رحمة، ولكن وجّهت لها تهديدات وشتائم بذيئة لا تصدر عن بشر أسوياء. أناس تحجرت قلوبهم وأفرغت عقولهم من كل المشاعر الانسانية والقيم السودانية الأصيلة. الانسان السوداني الذي جاء الرباطة لانقاذه كما يزعمون لا يساوي عندهم شيئا أكثر من ثمن طلقة رصاص يوجهونها الى صدره أو رأسه.
الربّاطة يراهنون على تجهيل الشعب السوداني بالواقع السئ الذي دفعت الانقاذ بلادهم إليه. يحاربون كل صاحب صوت أو ضمير حي، يغلقون الصحف ويطاردون أصحاب الأقلام النظيفة التي لم تتلوث بعطايا فسادهم. البلد الوحيد في العالم الذي يصدر فيه جهاز الأمن والمخابرات قرارات بوقف الصحافيين عن العمل خارج حدود القضاء! ! لا يوجد قضاء نزيه في العالم كله يمكنه إيقاف صحفي عن العمل، يمكنه أن يعاقبه حسب نصوص القانون إن تجاوز في عمله حدود حقوق الآخرين، مثله مثل أي مواطن مسئول آخر.

ويزعم النظام بكل صلف أنه توجد حريّات صحفية أكثر مما هي موجودة في بلدان الجوار! لا يكاد يمر يوم واحد دون أن نسمع بخبر إغلاق صحيفة أو مكتب قناة فضائية أو القبض على صحفي أو إيقاف صحفي عن العمل، بالأمس إعتقلوا صحفيا لمجرد انه تحدث في إتصال هاتفي مع إحدى القنوات الفضائية!، يا لهشاشة نظامهم! وضعفهم الذي عجزوا عن إخفائه!. حتى المواقع الالكترونية يطاردونها بخبراء التخريب وبكلابهم التي تسعى دون كلل لتغبيش الوعي وإثارة النعرات والتقليل المتعمد من أهمية النقد والحوار ، وصرف الناس عن مناقشة قضايا وطنهم المصيرية.

رانيا مأمون بإسهاماتها الكبيرة هي إحدى رموز الإستنارة التي نفخر بها في بلادنا، ولأن سدنة الظلام لا يرعبهم شئ سوى نور الوعي، يوجهون سهام حقدهم نحوها ونحو رفيقاتها . أمثال رانيا مأمون في كل مكان يحترم فيه الإنسان وتقدّر إسهاماته وإبداعاته تفرش لهم الزهور وتقام من أجلهم مهرجانات التكريم. بينما في بلادنا التي كانت موطنا للعزة والقيم النبيلة، يتم إضطهاد النساء والشباب، وضربهم من قبل أشباه رجال فقدوا النخوة والرجولة.
تضامننا الكامل مع الأستاذة الروائية رانيا مأمون والدكتورة سمر وكل نساء بلادنا.




image
الصورة للاستاذة رانيا مع المترجم واستاذ الأدب العرب في جامعة بروكسل اكسافير لوفان في حوار حول احد اعمالها الأدبية ضمن فعاليات مؤتمر أدبي في بروكسل 2011.

حكومة الجريمة المنظمة والعزف على وتر العنصرية







في حوار منسوب لأسامة بن لادن بعد خروجه أو إخراجه من السودان، قال إن ما يحدث في السودان خليط من الدين والجريمة المنظمة!
بعد أن استنفدوا أغراضهم منه وشحنوه بأحقادهم التي ستنفجر في العالم، سعى النظام لمضايقته ليغادر بهدوء. من القصص التي تحكى عن تلك الفترة أنهم جاءوه يوما طالبين التمويل لمشروع جديد، ولأنه كان قد خبر ألاعيبهم، فقد طلب دراسة جدوى المشروع وطلب تحديد موعد نهائي للبدء في تنفيذه، أعطاهم المال، وحين أزف الموعد ولم يطرح المشروع المزعوم أية ثمار، سألهم عما جرى بشأنه، فأوضحوا أنهم تركوا ذلك المشروع لأنه يحتاج وقتا طويلا ولأنهم إكتشفوا أن عائده لن يكون مجزيا!
تساءل الرجل: وأين أموالي؟

كان ردهم: (قلنا نقلب بيها في السوق عشان قيمتها ما تضيع! اشترينا بها بضائع وقمنا بتخزينها).
وحتى يقوم (بتوصيل) الكذّاب (لحد الباب) سألهم عن نوعية البضاعة التي قاموا بشرائها وهل يمكنه تسلمها؟
أوضحوا له أن البضاعة التي إشتروها عبارة عن محاقن طبية بلاستيكية من النوع الذي يستخدم مرة واحدة.
وأن لا مانع أن يتسلمها ودفعوا له بمفاتيح تزن عدة كيلوغرامات هي مفاتيح المخازن التي ملئت بالمحاقن البلاستيكية التي تساوي عدة ملايين من الدولارات!

مجرد أن تسلّم المفاتيح حتى بدأت الزيارات تترى من الضرائب والجمارك وغيرها من مؤسسات الجباية الرسمية (وكلهم عاوزين حقهم)!
هل كان مخطئا حين تحدث عن الدين والجريمة المنظمة؟ الآن لم يعد هناك من دين، توجد جريمة منظمة .
حين إتجه د. خليل بجيشه نحو الخرطوم، كانوا يعرفون بخبر وصوله الوشيك ، بالطبع تراجع دور الجيش وأصبح كل شئ في يد جهاز الأمن. الذي لم يكن له من هم سوى النفخ في بوق العنصرية وإحياء الجهوية والقبيلة، كآخر حائط صد للنظام في مواجهة خصومه وهم كل أهل السودان بإستثناء منسوبي المؤتمر الوطني.

وجدوا في وصول جيش خليل الى الخرطوم سانحة لا تعوض لتحقيق أكبر قدر من الفتنة والشقاق بين أبناء الوطن. وبدلا من مواجهة الجيش خارج الخرطوم، تركوه يدخل العاصمة!

د. خليل كان واعيا لمخططات جماعته السابقة. فقد كان جزءا من تفكيرهم يوما. حرص أن يتجه جيشه الى أهدافه، وألا يضار أية مدني من دخول قواته الى العاصمة. فكسر للجماعة دش العنصرية في يدهم!
الآن يتكرر نفس السيناريو. رغم أن الأحداث تجاوزت موضوع العنصرية. فالنظام المذعور لم يتورع عن إطلاق الرصاص في رؤوس شباب المركز ، حين شعر بهم يهددون سلطته غير الشرعية. كأنه يفند بنفسه أكاذيبه التي ظلت أبواق إعلامه ترددها منذ سنوات ألا خطر على أهل المركز سوى الهامش وأنه هو من يحمي المركز من حقد الهامش.
هذا الحامي (الحرامي) لم يقدم لهذا المركز سوى ما يقتضيه عمل شركات الجريمة المنظمة التي يملكها النظام. تماما مثل الهامش سحب من المركز مجانية التعليم والعلاج وفرض عليه من الضرائب ما لو رآه الترك لبكوا دما على الاموال الزهيدة التي قاموا بتحصيلها من أهل السودان، و التي تجشموا بسببها عناء غزو هذا القطر الشاسع أرجائه !

الآن يتكرر نفس السيناريو، يفبرك النظام القصص والأفلام التي تضرب في وتر العنصرية وأوهام الاستهداف، والأيادي الخفية، يريد أن يضرب عدة عصافير بحجر واحد: يسئ للجبهة الثورية ويزيد أوار نار العنصرية التي أشعلها بين شعب السودان، و إرغام أهل المركز على الإصطفاف من خلفه بإعتباره حامي الأرض والعرض. يراهن على ضعف ذاكرة الناس، فالأرض لم يفرّط فيها غيره والأعراض ينتهكها سدنته. يقتلون الشباب رأسمال أهل السودان ، يسيئون ويضطهدون ويتحرشون بالنساء، يحرقون الممتلكات العامة ليوسعوا الشقة بين أبناء الوطن الواحد، وفق المصطلح الإستعماري: فرّق تسد!.

النظام لا يهمه أن تتفتت البلد أو تغرق في حروب أهلية، المهم أن يبقى في السلطة .
الامة والاتحادي الديمقراطي بترددهما وعدم حسم قيادتهما لمواقفهما تجاه النظام، لم يعودا جزءا من الحل القادم. إن مسألة إنتظار الشباب ليحسموا الوضع ثم التقدم من بعد ذلك، لم يعد مقبولا وسيخصم كثيرا من رصيد هذه الأحزاب، التي ستجد نفسها في خندق واحد مع النظام. هذه الأحزاب في حاجة لتطور نفسها وتتقدم بقيادات شابة، تخرج من رحم القواعد المخلصة لوطنها، التي تطأ في جمر المعاناة اليومية و تكابد الاستبداد والقهر، قيادات تواكب نبض الشارع المتوثب للحرية والعدالة ، والا فمصيرهذه الأحزاب مزبلة التاريخ.

woensdag 9 oktober 2013


بين الصحافة والتجارة أو بين بهرام وأحمد البلال.!






أواخر العام 1998 كنت أجلس في أحد فرندات السوق الأفرنجي أقرأ في صحيفة. يصحبني الصديق الدائم آنذاك (كيس التسالي) والذي لم أتوقف عن (تعاطيه) رغم أنه جلب لي (الشتيمة) فقد توقف أمامي ذات يوم وأنا أقرأ الصحيفة في نفس مكاني، بائعان جائلان يحملان قطع جلاليب، وحين وجدا أنني كنت عازفا عن الشراء (بسبب ضيق ذات الجيب) حاولا إستفزازي : فقال أحدهما للآخر، سيبك منو، دة الظاهر ما عنده قروش!
وعقّب الآخر مؤمنا على كلام رفيقه: التسالي دة يكون ياهو فطوره!
قبل أن يحملا قطع الجلاليب ويرحلا لشتم أناس آخرين!
رفعت وجهي لأجد من حولي هذه المرة وبدلا من باعة الجلاليب، وفدا على مستوى عال، يصحبهم مصوّر بكاميرا مثبتة بخرق قماش على حامل يشبه يد المكواة. دهشت، فلم يكن لدي لحية تذكر، ولم أكن شخصا مسئولا ممن يدفعون الفساد والإهمال بدعاوي البلاء! وهو لا يعرف أنه هو أصل البلاء! في كل الأحوال أصلحت من وضع ياقة قميصي حين رأيت الكاميرا التي تشبه المكواة، وتذكرت مرشحا سقط في الانتخابات كان لا يني يردد كلما وقع فمه على مايكرفون أثناء حملته الإنتخابية الآية الكريمة:

وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي

لم أكن اتوقع حين إستعددت للتصريح أن ناس الوفد الصحفي لن (يفقهوا قولي) أو سيفقهوه ولكن على طريقتهم، يبدو أن منظر الجريدة التي كنت أقرأها جذب فضول الوفد. كانت تتقدمهم فتاة في مقتبل العمر كما يقولون (رغم أنني لم أكن اعرف آنذاك كم يجب أن يبلغ الانسان من العمر ليكون في مقتبل العمر) المهم شرحت لي الفتاة الصحفية كما أوضحت، إنهم يقومون بعمل إستبيان لمعرفة رأي القارئ حول الشكل الجديد لصحيفة أخبار اليوم! ثم مدّت لي يدها بالصحيفة بشكلها الجديد! إبتسمت مندهشا، وظننت (وبعض الظن إثم) ان الجريدة إنكمشت بسبب الظروف الاقتصادية السيئة! وأن الانكماش الذي طال حياة الناس كلها فتقاصرت الوجبات والمرتديات (ما يرتديه الناس) حتى أن صديقا كان الناس يحسبونه من جماعة أنصار السنة بينما تقاصر جلبابه بسبب عوامل التعرية. حسبت أن الإنكماش طال حتى الصحف فأصبحت بقدرة الله، والمصممين، تابلويد، أي نصف الجريدة التي نعرفها.

ولأنني كنت مفارق في ذلك الوقت وعيني قوية، فقد نظرت بعيني القوية الى جريدتهم ثم أدليت بتصريحي، قلت لهم، إن الشكل غير مهم، المهم هو المضمون، وأن صحيفة الأستاذ محجوب عروة وهو المحسوب على الحركة الاسلامية هي أكثر إستقلالية بل أقرب للمعارضة، من صحيفة أحمد البلال الطيب والتي نفهم من كلمة مستقلة المكتوبة في أعلى صفحتها الأولى، أنها بالضرورة مستقلة، لكن واقع الحال أنها، كما مضيت في تصريحي، نسخة بالكربون من الجرائد الحكومية! حتى إعلانات البسكويت وصفحة الوفيات، (الفقد واحد!).

بدا عليهم إحباط إختيار الشخص الخطأ، و(تكربنت) وجوهم قليلا ربما لذكر الكربون! لكنهم قبل أن يحملوا جريدتهم القصيرة (التي لا يطاع لها أمر) طلبوا مني أن أعطيهم إسمي ومهنتي وأسمح لهم بإالتقاط صورة. لبثت مبتسما بعض الوقت (حتى تعب فمي من عبء إبتسامة إجبارية لشخص جيبه خال مثل قلب المؤمن المطمئن) حتى أصلحوا الكاميرا المكواة و(كشحوني) بفلاش مركز جعل عيني القوية ترتعش!

المهم كنت متلهفا وأنا أشتري جريدتهم القصيرة في اليوم التالي لمعرفة كيف تعاملوا مع تصريحي، عرفت صورتي بسرعة (لم أتغير كثيرا منذ الأمس) لكنني لم أعرف كلامي أبدا، حتى إسمي قاموا بتغييره قليلا، أما المهنة فبدلا من مدرس كما أعلنت كتبوا: صاحب مكتبة! يبدو أنها مهنة مثالية لمن يريد أن يعطي رأيا حول أحوال الصحافة، فمع الظروف الاقتصادية السيئة لم يعد بمقدور أحد سوى صاحب المكتبة، الذي يقوم بتوزيع الجرائد، أن يقرأ الجرائد كلها.

بالنسبة للرأي وجدت أنني أشدت بالشكل الجديد للجريدة! بقية تصريحي الذي قلت أن الجريدة نسخة كربونية من الداخل من صحف الحكومة، وأنه لا يوجد فيها شئ مستقل سوى كلمة مستقلة المكتوبة في الأعلى باللون الأحمر، تم التعامل معه بدبلوماسية تلفيقية فأصبح: ونتمنى ان تحافظ الجريدة على استقلاليتها أو تصبح الجريدة أكثر إستقلالية، شئ من هذا القبيل الذي حوّل تصريحي الكربوني الآنف ذكره الى مجرد تمنيات!

تذكرت ذلك وأنا أقرا ما أثير حول الأستاذ أحمد البلال الطيب في الأيام الماضية إثر حواره التلفزيوني مع إحدى القنوات العربية، الذي عرفنا فيه كيف يجب أن يكون الاعلامي الجيد وكيف يجب أن يبتعد عن النشاط السياسي! أي نترك الساسة يعجنون ويخبزون في السياسة، والإعلاميون يعجنون ويخبزون إعلاما. والشاطر من يسير على العجين ما (يلخبطوش)! أطرف ما قرأت من تعليق لأحد قراء الراكوبة. أن أحمد البلال تتوفر فيه صفات التاجر الجيد، وأنه ضل طريقه الى الإعلام بدلا من طريقه الحقيقي إلى السوق. وأنه يجيد البيع والشراء لكن ذلك، وإن كان جيدا في السوق لكنه ليس محمودا في الصحافة.
لم يعد لمن يمسك العصا من وسطها دور الآن، الآن الكلمة لبهرام ورفاقه من الشرفاء. دماء شهداء الحرية والكرامة وضعت خطا فاصلا بين حياتنا وبين المخذّلين وتجار الكلمة، لا خير في إعلام لا ينحاز للحق ويحارب الباطل، حتى لو أمسك الباطل بالصولجان بيديه ورجليه. فالباطل الى زوال وإن طال أمده.

قبل سنوات وقعت عيني مصادفة على نسخة من أخبار اليوم أحضرها أحد القادمين من الوطن، فوجدت أنها عادت لحجمها الطبيعي، بقي المضمون نفسه. قلت لنفسي: طيب ما دام أصلا حيرجعوا للشكل القديم (تاعبننا ليه!)، بالتصريح إياه، والشكل ما مهم المهم الاخلاق .. الخ الخ.


donderdag 3 oktober 2013


إستمرار الإنقاذ يعني زوال الحضارة وزوال السودان نفسه
إستمرار الإنقاذ يعني زوال الحضارة وزوال السودان نفسه



أحمد الملك

بعد مجزرة ضباط أبريل 1990 ذهبت في الخرطوم الى متجر لأحد أقربائي في سوق الخرطوم بحري، كان الرجل يشتكي من سوء الأوضاع وضيق العيش وتوقف حركة البيع والشراء في السوق، قلت له: (طيب ما تطلع الشارع)
نظر نحوي (شذرا) وقال: (شارع وين مع البارود دة!)

لم يتوقف البارود منذ أن إغتالت رصاصاتهم الآثمة مجموعة ضباط أبريل، لم يفرق رصاصهم بين من شارك ومن لم يشارك، كان زعيم المحاولة المفترض نفسه مسجونا في شالا، أحضروه ليشارك في حفة الموت الأخيرة. ومنذ تلك اللحظة، تفرغوا تماما لتأديب أهل هذا البلد وإرهابهم. لم يعدلوا بين الناس في شئ بمثلما فعلوا في نشر الموت والإرهاب. أنشأوا جهازا للأمن ونشروا ممارساته السيئة على الملأ حتى يتجذر الخوف حتى في نفوس من لم يمر بتجربة بيوت الأشباح. وفي معتقلاتهم السيئة السمعة، لم يتركوا موبقة لم يرتكبوها في حق معتقليهم. وكانت تلك أكبر مخالفة للخلق السوداني القويم الذي يعف عن الإساءة للمرأة وللشخص الأعزل، حتى الأطفال لم يسلموا من أذاهم.

نظرتهم لشعب السودان لم تحمل أبدا شيئا سوى الإحتقار، ولأن بعضهم نال حظا من التعليم على حساب الشعب السوداني، وحسب تربيتهم الفكرية التي تصوّر لهم إمتلاكهم وحدهم للحق والحقيقة، وأنهم وحدهم من يعرفون كيف يجب أن تسير أحوال الناس، فما داموا يتصرفون كمن يملك تفويضا إلهيا يعرّفهم بطريق الخلاص في الآخرة، فإن تسيير أمور الدنيا سيكون مثل اللعب. لم يشعروا ولا حتى بالخجل وهم يعلنون على رؤوس الأشهاد رغبتهم في إعادة صياغة الإنسان السوداني! كان ذلك قمة الإحتقار لأمة رائدة تقف فوق إرث حضارة عظيمة تمتد في عمق التاريخ. في كل مدننا وقرانا تجد أولئك الذين لم تتح لهم فرص التعليم النظامي، لكنهم يعلّمون الناس كل شئ بالسلوك القويم والقدوة الحسنة، متعلمون بالفطرة، تجري في دمائهم تلك الحضارة العظيمة التي علّموا بها العالم كله.

كان في قريتنا شخص أصيب بمرض نفسي، ورغم ذلك كنت تجده دائما يبعد الشوك من الطريق، ويحنو على الأطفال ويتعامل بأدب مع الجميع. ويساعد الناس في اعمالهم، ذات مرة سأله أحدهم : هل هناك في الدنيا أجمل من (مضاجعة) النساء؟ قالها بالطبع بصورة بذيئة. لم يرد عليه الرجل المريض، تشاغل بشئ في يده، أعاد السائل سؤاله بنفس الصيغة، فتجاهله الرجل، بعد المرة الثالثة، رد عليه بهدوء.

نعم يوجد ما هو أجمل من ذلك يا ولدي!
وما هو.
رد الرجل المريض: الأدب يا ولدي!
إنها الحضارة التي تجرى في دمائنا، تمنعنا من الاساءة لأي كان، تجعل الكبير يوقر الصغير والصغير يحترم الكبير. والجار يحمي بيت جاره وعرضه قبل بيته وعرضه.

حكى لي صديق جنوبي أنه حضر الى الخرطوم في سبعينات القرن المنصرم وهو مجرد شاب صغير لم يتجاوز الخامسة عشر، عمل في أحد المقاهي وحين تسلّم أول مرتب له، كاد يطير من الفرح فخمسة جنيهات كانت تساوي الكثير في ذلك الزمان(حتى الإنسان كان يساوي الكثير). ذهب فرحا الى وسط الخرطوم يحمل ثروته الصغيرة. وفي منطقة ميدان أبو جنزير وجد شخصين (من شذاذ الإفاق) عرضا عليه اللعب معهما، كانت لعبة قمار، ظن الصبي الصغير أنها ستكون مسلية وربما يكسب بعض المال الإضافي، لعب معهما وبسرعة خسر كل ما يملك. جلس أرضا بجانبهما يبكي فحضر شرطي (أيام كانت لدينا شرطة وخدمة مدنية) سأله الشرطي عما يبكيه، فحكى له الحكاية، أمسك الشرطي فورا بالرجلين وفتشهما فعثر على الخمسة جنيهات كما وصفها الصبي. أعادها للصبي وهدّد الرجلين بالسجن إن عادا للعب مع أية صبي صغير. قال لي الصديق الجنوبي: أمسكت بنقودي فرحا. وظننت أن الأمر إنتهى، لكن الشرطي بعد أن طرد الرجلين من المكان، عاد لي وصفعني في وجهي بقوة قائلا: هل حضرت هنا من اقصى الجنوب لتلعب القمار؟ ختم الصديق الجنوبي حكايته بقوله: اعاد لي حقي وقام بتأديبي حين أخطات.

تلك هي حضارتنا. لن تخلو من ممارسات شاذة، وذلك استثناء يثبت القاعدة، مثل من ينصب على على طفل أو ينصب على شعب كامل بدعوى إنقاذه وهو لا يبغي شيئا سوى نهب السلطة والثروة وإعادة صياغة الناس!

لم تحمل الانقاذ قيما في طي مشروعها، لكنها سعت لشغل الناس بحياتهم وإرهابهم ليخلو لها الجو ولا ينازعها أحد في سلطتها. اهدرت قيمة الحرية، ومن دون الحرية التي هي مثل الرأس الذي يفسد بفساده الجسد، ضاع كل شئ وتراجعت الأخلاق والقيم مع ثقافة جديدة تروج للفساد. الدين نفسه قائم على الحرية: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
حين يسقط النظام الاستبدادي سنستعيد قطعا حضارتنا. الانقاذ هي التي جاءت بالعنف الذي يدمّر الحضارات. فالإنقاذ يوما لم تنطلق من مشروع حضاري يعلي من أية قيم أو ينحاز لدولة القانون والعدالة التي تساوي بين الناس وذلك هو لب كل الأديان. إن كان الخروج للمطالبة بالحقوق يسمى عنفا في عرف الانقاذيين فبماذا نسمي ضرب المدينيين بالطائرات، ماذا نسمي إغتيال الشباب الأعزل في الشوارع من قبل ميليشيات نفس النظام؟ ماذا نسمي تجويع الناس وغمطهم حقوقهم وسرقة تلك الحقوق؟ ماذا نسمى تعذيب الناس في المعتقلات ؟ ماذا نسمي إغتصاب الحرائر؟
في إستمرار الانقاذ ليس فقط زوال الحضارة بل زوال السودان نفسه.