zondag 25 augustus 2013


حين رأينا أشجار النخيل تموت!



الليل عاد والشوق زاد، اذكر جدتي بملابسها البيضاء جالسة في غرفة جانبية يملأها ضوء الصباح المتسرب من النوافذ الكبيرة، وتعبق برائحة الحقول، رائحة خبز القراصة ورائحة القهوة الطازجة بالجنزبيل، عبر الزمن يبدو ايقاع الحياة مختلفا، خاملا، يبدو الزمن مرئيا، شفافا، مخلوطا بالضوء، ورائحة النوار، نوار النيم ونوار الليمون ونوار المانجو، صوت الكابلي الذي يتسرب مثل الحلم عبر الازمنة، يتردد في موجات ضوئية تغمر غرف البيت وفنائه الواسع المفروش بالرمل الاحمر ، تصطدم بالغرباء الذين يعبرون فناء البيت حاملين امتعتهم القليلة.
في الخارج في المضيفة التي تحيط بها اشجار النيم واشجار الاركويت، أري العم علي الخبير جالسا يفترش الارض بجوال الملابس التي يعرضها للبيع، سراويل من قماش الدبلان، وجلاليب من قماش التترون، يتوقف دائما هناك ويخلد للنوم بمجرد ان يطأ جسده الارض، يبقي في انتظار ان تمر سيارة عابرة، ايا كان اتجاهها فهو علي استعداد ليستقلها، لديه مشاوير مؤجلة شمالا وجنوبا، يستغل اصحاب السيارات غفوته وينطلقون .
اذكر ان الوالد لم يكن يحبه، لم تكن لديه معه مشكلة ما، كان يراه فضوليا يقتحم البيوت دون احم او دستور، مرة كان معنا عمال يحفرون بئرا ارتوازية وسبّب وجودهم هلعا تنظيميا في البيت، سعيدة عمر الرمالية تعوس الكسرة وزينب دكر تجلب الوقود، ووالدتي تعد الملاح، ونحن نساعد في كل شئ، في خضم الزحام جاء من يقول ان علي الخبير في الخارج، كان الوالد يبحث في تلك اللحظة عن فكة جنيه ليدفع عشرين قرشا لاعرابي احضر ثلاثة امتار من الخشب، حين سمع ان علي الخبير في الخارج اعلن علي الفور : ساذهب لاطرده !.
ذهبنا من خلفه لنتفرج علي المشاجرة، لكننا وجدنا الوالد يجلس معه فيما عم علي يحسب فكة الجنية : ستين ، خمسة وستين، سبعين، خمسة وسبعين، وقال الوالد حين رآنا : اجروا جيبوا الفطور .!
كانت تلك بداية صداقة بينهما لم تعمر طويلا بسبب وفاة العم علي المفاجئة ، بسبب عشقه الازلي للسيارات، وفي النهاية صدمته سيارة كومر قديمة خالية من الفرامل .
كنا نتحلق حول العم علي في انتظار ان تمر سيارة، يحاكي اصوات الحيوانات، ويحكي قصة الضفدعة الصغيرة التي تنادي امها بلهجة الضفادع: يمة شيليني !
فتقول الام ، شايلة ابوك ! فيقول الصغير الماكر : فوق راي !
جمال المزارع الشاب الذي كان يطمح لتغيير حياته، يبيع الخضروات التي يزرعها للعابرين وللغجر، وفي النهاية افلست تجارته فقد احب احدي بنات الغجر، وبسبب ضعف قلبه تم استنزافه اقتصاديا ، فكان يبيع لهم الجرجير والملوخية دون مقابل او يحصل علي مقابل عاطفي لا يمكن احصائه مثل النقود .

في عطلة الصيف نتوزع لرعاية البهائم، كان لدينا بقرتين وعدد من الاغنام والضأن، تحتاج المزرعة لجهد كبير لسقي اشجار النخيل، منذ مطلع الثمانينات ظهرت موجة الجفاف التي ادت الي تراجع منسوب المياه الجوفية، فبدأت اشجار النخيل تجف، كانت تلك علامة سيئة، فمحصول التمر هو الشئ الوحيد الذي يحصل عليه الناس هنا دون تكلفة، بينما تكلفة الانتاج الزراعي عموما عالية جدا، فعلي المزارع ان يحرث الارض ويجهزها، وعليه تركيب طلمبة تسحب الماء من بئر عميقة يجب تنظيفها سنويا وعملية التنظيف مكلّفة يقوم بها مختصون، كذلك لابد من استخدام محرك ديزل لسحب الماء، قطع غيار المحركات غالية ويستهلك المحرك الكثير من الوقود، حين بدأت اشجار النخيل تجف، قام قليل من المزارعين بمحاولة سقيها او زراعة علف تحتها في موسم الصيف الحار، لكن الاكثرية تركوها تواجه مصيرها المحتوم، وفي السنوات الاخيرة كان محزنا ان نري مشهد الاف الاشجار وهي تجف وتموت واقفة او تسقط بسبب الرياح، الغريب ان ما حدث لاشجار النخيل، تكرر بنفس الطريقة المأساوية علي الناس في المنطقة عموما، اعتاد الناس هنا ان يعيشوا في هدوء يزرعون ما يكفيهم ويساعدهم انتاج النخيل، يربون الضأن والماعز للاستفادة من اللبن وللطوارئ لبيعها ان استدعت ظروف للسفر، لدي وفاة قريب عزيز بعيد عنهم او زواج قريب عزيز ايضا في الخرطوم او اي مدينة اخري، او كمصروفات للأولاد الذين يقبلون في مدارس بعيدة، لم يكونوا يقلقون من مرض احدهم فالدولة كانت تدفع تكلفة العلاج وتعليم الاطفال. منذ مطلع التسعينات القرن المنصرم، تبدلت الاحوال وعاني الناس العوز الشديد للمرة الاولي، بعضهم سحب اطفاله من المدارس بعد ان اصبحت مجرد شركات تعرض لضاعتها لمن يستطيع اليها سبيلا، واصبح العلاج مكلفا، ورفع الدعم عن الوقود وكل السلع ، قبع الكثيرون داخل بيوتهم، حتي لا يستجدوا الناس وماتوا واقفين مثلهم مثل اشجار النخيل، انه زمن الكذب والخداع والفساد، زمن الانقاذ الأغبر! .
الطاهر العاشق للموسيقي خاصة موسيقي الطمبور والمغنيين الشوايقة، خاصة النعام ادم الذي كان يحتفظ له بود خاص وحتي لا يسرق احدهم شرائط الكاسيت التي تحوي اغنياته كان يقوم بدفنها ارضا، كنا نقول له ان التراب سيتلف الشرائط، لكنه كان يصر علي ان تلك الطريقة الوحيدة المضمونة لحفظها .
عوض عثمان يتحلق حوله الناس في ايام وليالي الصيف يحكي مقالبه وحكاياته
ذات مرة كان الناس يسمرون في حلقات حول اشجار النيم حين سمعوا فجأة صوت نهيق حمار الحاج عبدالله المميز وفي لحظات ولي الجميع الادبار واختفوا داخل نبات الذرة، كان الحاج عبد الله عليه رحمة الله رجلا من افاضل الناس، كان يتولي القيام بالاعمال الخيرية، بناء المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، ولأن عين الحكومات كانت دائما بصيرة في تقديم الخدمات ويدها قصيرة وان كانت دائما طويلة فيما يختص بملاحقة الناس وقطع ارزاقهم، كان الحاج عبدالله يعتمد في الخدمات التي يقدمها علي المساعدات القليلة التي يحصل عليها من الناس او من المغتربين خارج الوطن .
وقد حكي لي مرة انه ذهب في زيارة للسعودية للحصول علي دعم من المغتربين وكان انذاك يقوم بالعمل في انجاز مشروع مستشفي ، كان المغتربين قد فاض بهم الكيل من مشروع المستشفي الذي استغرق زمنا طويلا ولم يتم افتتاحه بعد، لم يكن لديهم علم ان المستشفي كان قد تم افتتاحه قبل فترة قصيرة من زيارة الحاج لهم.

وفي الاجتماع الذي ضم الوفد مع المغتربين وقف احدهم وقال :
نريد ان نعرف متي يتم افتتاح هذا المستشفي؟
قال الحاج للسائل واسمه عبدالله:
اهنئك يا عبدالله لقد تم افتتاح المستشفي وجاء والدك وامك ورقدا فيه ستاشر يوما وخرجا !

سكت عبدالله علي الفور ولم يتكلم مرة اخري .
نهض اخر وقال : لماذا احضرت في وفدك صلاح هذا رغم ان الجميع يعرفون انك تختلف معه وان بينكما مشاكل .

قال الحاج عبدالله :
صلاح لم يدخل معنا موضوع المستشفي فلم يأكل شيئا من طرفه، فشال حالنا في كل مكان، جبناه معنا ليأكل شيئا ويمسك خشمه !

فمسك الجميع خشومهم وان لم يستطيعوا الامساك بجيوبهم، ودفعوا !

نعود لعوض عثمان ، حين سمع الناس صوت حمار الحاج لاذوا بالفرار خوفا من اجبارهم دفع التبرعات بسبب ضيق ذات اليد، وجد عوض عمه الحسن وكان ضريرا فاشار له ليجري علي اتجاه حدده له، كان هو نفس الاتجاه الذي سيأتي منه الحاج .
فيما كان الرجل الضرير يجري استوقفه شخص ما وساله لماذا يجري .
قال الرجل الضرير : الحاج عبدالله ما جننا كرّهنا العيشة .
قال السائل : انا حاج عبدالله !
فقال الرجل الضرير : الرجل الطيب !.

عوض عثمان اشتهر بمقالبه وذات مرة وكان لا يزال صبيا ايقظه والده في الرابعة صباحا ليحلب البقرة وكان معهم ضيوف
استيقظ عوض منزعجا وقال :
يا ابوي الدنيا لسع بدري والبقرة ذاتها لسة نايمة !
تراجع الاب مصدقا ان البقرة قد تكون نائمة ولا داعي لازعاجها بهذا الامر غير الهام !
حكي لي الحاج عبدالله انه بعد ان قامت حكومة نميري بحل الادارة الاهلية وعينت بعض الاعيان كقضاة شعبيين انه تم تعيينه كرئيس للمحكمة الشعبية وفي اول قضية يفصل فيها، كانت الشاكية امرأة دهشت حين وجدته يجلس في مقعد رئيس المحكمة وكانت تعرفه ويبدو انها لم تكن تسمع جهاز الراديو فلم تسمع بحل الادارات الاهلية .
قالت له هل اصبحت القاضي ؟
فقال نعم .
قالت له : مكان الشيخ الزبير ؟!
فقال نعم
قالت له : سبحان الله !
وسكتت قليلا قبل ان تردف برطانة الدناقلة وهو يجلس مستمعا لها :
البحر لامن يبقي خسيس الحمار كمان بيخوضو !


حكي لي حاج عبدالله انه حضر احتفال استقبال اول والي يعين في الولاية وحضر الحفل احد رموز الانقاذ، طلب الحاج ان يشارك بكلمة وحين جاء دوره قال : زمان كان لامن دايرين يشتمونا يقولون لنا : الهي ما تلقي الوالي : الحمدلله هسع واشار للوالي : لقينا الوالي !
قال ان الرمز الانقاذي سأله من اين تعلمت هذه الفصاحة يا حاج؟
فقال له : انا في العمل العام اكثر من خمس وخمسين سنة وماجيت ناطي فيه بعكاز ذيك !

ذات مرة كنت في السوق سوق مدينة السير، كانت السنوات قد مرت وعملت معلما في مدرسته الثانوية، سمعت في السوق ان رجلا من القرية ينتمي لجماعة انصار السنة المحمدية معتقل عند جهاز الامن وانه يتعرض للتعذيب هناك، بعد عودتي من السوق ذهبت للمدرسة فوجدته يجلس امام بيته تحت ظلال شجرة المسكيت، قلت له بصفتك رئيسا للجنة الشعبية للقرية هل ذهبت تسأل عن اسباب اعتقال الرجل، فقال لي ببساطة اسأل عنو هو انا الرميتو !

قلت له كيف ؟
قال لي انه حدثت مشاجرة في المقابر، حين لام مواطن من حزب الحكومة مواطن من جماعة انصار السنة لانه لم يقدم له واجب العزاء في ابنه الشهيد وكانت هناك مشاكل واحتكاكات بين انصار السنة والكيزان، فرد عليه انصار السنة بجفاء : القال ليك هو شهيد منو ؟
تدخل الحاج لتهدئة الموقف باعتباره كبير البلد لكن انصار السنة المنفعل لم يعره اهتماما، او احتراما فكانت النتيجة انه وجد نفسه بعد يومين يواجه العذاب الدنيوي في جهاز الامن !
قلت له يا حاج انت مالك ومال مشاكل الجبهجية وانصار السنة ، خليك في حالك بعدين انت ذاتك ما عندك مشكلة مع اي زول لكن انا شايف ان استاذ عثمان (وهو احد الرموز الكيزانية في القرية) دافرك في الكلام دة، وختمت قولي : الكوز دة قاعد يلعب بيك!
اغضبه كلامي فقاطعني : صلي علي النبي يا خينا ، والله ابوه ما يلعب بي !
حاولت ان اتحادث معه لحل موضوع الشخص المعتقل لكنه لم يصغ لي ، فذهبت لاستاذ عثمان سكرتير اللجنة الشعبية : قلت له هل لديك علم ان الحاج ابلغ رجال الامن عن هذا الرجل المعتقل باسم اللجنة الشعبية، انكر علمه وقال لي انه سيستوضح منه الامر.
في اليوم التالي ابلغني انه سأل الحاج وقد انكر الحاج انه قال لي ذلك بل حلف بالطلاق !
بعد الظهر جئت للمدرسة، كنا نقوم بدورة تقوية صيفية للطلاب وجدته يجلس امام البيت في ظلال شجرة المسكيت حين رآني من علي البعد قال لي : اها جايي تتم البديتو !
قلت له وانا امضي في طريقي للمدرسة : والله انا ما عارف لكن واشرت الي بيته حأرسل لي اهل المرة دي يجوا يسوقوها !
تركته يضحك وفي اليوم التالي عرفت باطلاق سراح الشخص المعتقل .
جمال رزق الله معلم البناء الماهر والفنان، يملك موهبة فطرية في عمله، لم يقرأ فنونا او يتعلم شيئا سوي كما حكي لي دروس المدرسة التي لم يكن فيها سوي مدرس واحد كان يعطيهم دروس اللغة العربية برطانة الدناقلة!
وذات مرة في حصة التربية الاسلامية سألهم بصوت جهوري وبلغة عربية فصيحة : متي توفي النبي صلي عليه وسلّم؟
تمت ترجمة السؤال في البداية الي الاندادي ( رطانة الدناقلة) فنهض طالب كان يعاني بعض التخلف العقلي وصرخ :
لا حول ولا قوة الا بالله، النبي تي ديكو ؟
وترجمتها : لا اله الا الله هل توفي النبي (ص) ؟

ويبدو انه لم يسمع بذلك، كان عاشقا للزلابية وفي طريقه للمدرسة علي الحمار كان يشعر بالتعب احيانا من ثقل الاشياء التي يحملها: الطبق الضخم الذي يحمل فيه القراصة والزلابية اضافة لخرتاية الكتب، ولكي يتمكن من مواصلة المشوار كان يتعين عليه التخلص من بعض ما يحمل، كان يتخذ القرار دون تردد فيلقي بخرطاية الكتب ارضا ! والمؤكد انه لدي عودته كان يجدها في نفس المكان فليس هناك كائن يرغب في سرقة كراساته المليئة بعبارات اعد وقابلني والرجاء احضار ولي امرك! والواقع انه فعل ذلك مرة واحدة واحضر ولي امره، وكان خاله، حضر شخص ضخم الجثة يتطاير الشرر من عيونه ويتأبط عصا ضخمة من النوع الذي ينتهي بكعكة في اخره، حتي ان المدير اضطر للاعتذار له ! .
حكي لي جمال ان المدير كان يحضر احيانا خاصة في يوم الخميس سكرانا دون رغبة في الدخول للمدرسة، كان يجلس فوق حماره بجانب جدار المدرسة وينادي علي احد الطلاب : يا ولد دق الجرس.
وحين يصطف الطلاب في الطابور ، يدير هو الطابور من فوق حماره : صفا .. انتباه.. صفا .. انتباه. الي الفصل دور ، ثم يعلن وهو يضرب حمار مغادرا: اذا تأخرت في السوق دقوا الجرس وروحوا !
كان في الفصل صبيين ابناء عمومة رمضان وحسين جدهما اسمه ابوشوك، رمضان كان ضئيل الجسم فاسماه الاستاذ: ابوشوك كنة اي ابوشوك الصغير وكلمة كنة بالرطانة ربما افضل كلمة لترجمتها هي قلّيّل بتشديد اللام والياء !، وحسين كان ضخما فاسماه المدرس أبوشوك دول! اي ابو شوك الكبير او المانع . وكان التلميذان كنة ودول يجلسان دائما في الصف الاخير بجوار بعضهما، حيث يعمل التلميذ دول في اوقات فراغه كحارس شخصي لابن عمه التلميذ كنة والذي بسبب صغر حجمه يتعرض احيانا لمضايقة فتوات المدرسة من الطلاب الذين نسيهم اهلهم في المدارس او اصبحت المدرسة لهم مجرد برنامج يومي أبدي .
في حصة الحساب اثناء العذاب الازلي المسمي جدول الضرب اعلن الاستاذ : كم حاصل ضرب
ستة في سبعة؟
ثم نادي علي الطالب الذي يجب ان يجاوب علي السؤال : ابوشوك دول، فقال ابوشوك دول بصوت ضخم : 16 !
فنادي الاستاذ : ابوشوك كنة !
فرد بصوت رفيع مثل صوت فأر : 17!
فقال الاستاذ : شد واركب !
جمال كان فنانا في عمله لكنه مثله مثل الفنانين كان يعاني من الملل ولا يكاد يبدأ عملا حتي يمله ويتركه وكانت النتيجة انه لم يكمل اية بيت بدأ بناءه، كان يبدأ العمل في وجود صاحب البيت الذي يكون عادة شخصا مغتربا حضر لقضاء اجازته، يبدأ العمل نشيطا مع عماله ، يكون هناك سجائر ومسجل جديد يصدح بجانبه اثناء العمل وهو يعشق الغناء لدرجة الجنون، وتكون هناك ذبائح واكل جيد، فيمضي العمل علي ما يرام، ثم تبدأ ميزانية المغترب في التراجع، فيستبدل البنسون الفاخر بجوال صغير من القمشة وبدلا من الذبائح تعود القراصة 6 بوصة لتتصدر المائدة، ويستبدل المسجل الذي استهلك كل حجارة البطارية الموجودة في دكان التعاون، يستبدله بطنبور قديم ويستخدم اذان مستمعيه لتجربة الحانه القديمة من ايام الشيطنة كما يسمي ايام شبابه، ويستبدل عرقي الامسيات بالشاي باللبن مشيرا الي الاول باعتباره : هو اصلا حرام ! عندها يطفش جمال الي الابد !
ذات مرة جاء الي البيت لعمل بعض الاصلاحات ، كانت الوالدة وشقيقنا الاكبر قد سافرا الي الحج ولاجل استقبالهما تعين اجراء بعض الاصلاحات ولان اخي الاكبر كان يعرف نظام جمال فقد اوصانا قبل السفر ان نوفر له اساسيات الونسة ان رغبنا ان يكمل الشغل وشدد علي الا يتوقف جهاز التسجيل مطلقا، وجدنا بطارية سيارة قديمة، شحدنا صديقنا علي الذي يعمل سائقا لاحد الجرارات الزراعية ليشحن لنا البطارية واوصلنا المسجل وجهزنا كومة من الشرائط، جاء جمال وبقي معنا لمدة عام بعد ان اكمل العمل ! وكان الناس يسألوننا مستغربين الزول دة مسكتوا كيف ؟ وقال لي احد الجيران : الظاهر فقيركم قوي !
كان لديه هواية غريبة، يعشق استبدال الاشياء، يعرف احيانا انه سيكون خاسرا من الاستبدال رغم ذلك لا يستطيع مقاومة الاغراء، ذات مرة جاء الينا يحمل جهاز مسجل جديد، استبدله مع خالد اخي بجهاز راديو، ثم قايض جهاز الراديو بساعة سيكو مع احد جيراننا وفي نهاية اليوم كان المسجل الجديد قد انتهي به الامر الي ماعز جاء يسحبها من اذنيها وهي تزعق بصوت هستيري، ربطها في مدخل المزرعة وغادر علي ان يعود في اليوم التالي ليأخذها .
في اليوم التالي جاء ليقوم بحش بعض الحشائش ويطعمها ثم سقاها بعض الماء بجردل وتركها مغادرا ليتكرر في الايام التالية نفس برنامجه، حين عرف الناس بذلك البرنامج اصبح بعض من يريدون منه اكمال عمل بدأه لهم وزاغ يلبدون له جوار الماعز! ذات يوم تجمهر بعض من يريدونه وكنت انا ايضا اريده لاجراء بعض الاصلاحات، في الموعد المحدد وبدلا من حضوره حضر اعرابي متعجل نزل وسط دهشة الحضور ليفك الماعز ويرفعه علي حماره، واعلن وهو يغادر : جمال باعو لي !

عم حمدان يغني للحياة وغابة المطر!


عم حمدان يغني للحياة وغابة المطر!



كان الضوء خافتا جدا حينما أزيح الستار الضخم، فبدا المسرح خاليا مثل قطعة من الليل ’حبست خلف الستار، حتى أن بعض الجالسين في المقدمة أصابتهم خيبة أمل بسبب عدم وجود شئ على المسرح. وشيئا فشيئا بدأت الصورة تتضح، كان أعضاء الفرقة الموسيقية غارقين في تأملات شخصية، تقطعها أحيانا نغمات إرتجالية مفاجئة، كانت تبدو مثل مجرد تذكير للعالم بأنهم موجودون ولم يغرقهم طوفان النسيان الذي يغرق العالم من حولهم. ودون أن تبدر منهم أية إشارة تفيد بأنهم يعملون كفريق واحد ولم تجمعهم مجرد صدفة كما تشير إلى ذلك أنغامهم التي يبحر كل منها في طريق مختلف تماما.
فجأة إندلعت من داخل حشد المتفرجين ضحكات صاخبة تناثرت بفوضى في صورة دوائر ضوئية عاصفة فوق المستنقع الضوئي الخافت، كانت ضحكات ناشزة بصورة أشاعت في المكان حالة من الذعر الخفي، فقد بدا واضحا ومنذ اللحظة الاولي إنها كانت تستمد معينها من مخزون لا ينضب من أحزان مكثفة.
في اللحظة التالية، بدا واضحا أن الضحكات كان لها تأثير وبائي شامل، فقد بدأت تسري فيما يشبه الهمس، مقتحمة عمق الليل، متدحرجة في الحفر والمستنقعات، مختلطة بنقيق ضفادع أول أيام الدميرة، ورطوبة الليل المشبعة بندي الحقول، بعد قليل ودون سابق إعلان، ظهر علي المسرح شخص بدا كأنه لم يكن متوقعا، فاستحال الضحك فحيحا قبل أن يخمد بصورة مفاجئة، إتخذ العازفون وضع الهجوم وحينما أشار قائد الفرقة بعصاه إنسابت موسيقي رقيقة لها الأريج الحذر للورود الجافة.
أوقف حمدان ود حاج النور حماره خارج المسرح وربطه بصورة آلية في أول شئ عثرت عليه يداه، لكنه إكتشف بعد قليل - بعد أن إنطرح أرضا – أنه ربطه في قدمه شخصيا، وفي النهاية تدحرج داخلا زعيما بلا منازع لطائفة السكاري المرحين، الذين أوقفوه مرارا أثناء مروره، لا ليرحبوا بمقدمه كما حسب في البداية، بل لدحض مزاعم بعضهم بأنه كان يسير على وجهه بدلا من قدميه، وللتأكد من أنه لم يكن يغني، بل كان يردد الخطبة القصيرة التي حفظها طوال أسابيع من أجل ترشيح نفسه لعضوية اللجنة الشعبية الجديدة.
بعد قليل بدأ صمت حذر يغزو المكان، تقدم الي المسرح المغني العجوز الذي بدا واضحا أنه كان ثملا تماما، تمكن بعد مجهود خارق من إعتلاء خشبة المسرح، بعد أن إنطلق فجأة من مقاعد المتفرجين حتي أن البعض حسبه في البداية مجرد متسلل بدون ذاكرة، وفي اللحظة التي تأكد فيها بأن المغني العجوز إستعاد أنفاسه رغم أنه بدا غارقا في نوبة تأمل أعطت انطباعا بأن اكتئابه كان ناجما عن ضعف وجداني اكثر مما توقع آخرون بأنه كان ناجما عن ضعف أخلاقي، وفجأة في اللحظة التي بدا فيها قد تجاوز آخر حواجز ضعفه، إنهار فوق أحد العازفين، مصدرا نغما قاسيا ومفاجئا ودون أن ينتظر مساعدة من العازف، إعتمد راحتيه محاولا الوقوف، وفي النهاية حرّك عازف الكمان التوازن الحذر في المكان بإلقائه حفنة مفاجئة من الانغام، جعلت المغني يجفل، ثم يستعيد توازنه، ويبدأ في الغناء، ورغم أن مدخله الأول لفضاء اللحن بدأ بمارشات عسكرية، أعطت إنطباعا حذرا بنبوءة إحتمال تغيير وشيك، حتي أن رئيس اللجنة الشعبية الجالس في المقدمة بدأ في نتف لحيته بحركات عصبية من يده، إلاّ أن اللحن بدأ بعد قليل يأخذ مسارا سلميا، حتي بدا واضحا في اللحظة التالية ان المغني العجوز كان يمتلك مقدرة فذة علي جعل اللحن ينقاد خلفه وهو يجتاز نطاق غابات غير مرئية، ويعبر أنهارا استوائية، ويطوي دون كلل أزمنة منسية تتخلل الزمن الحاضر من خلال ايحاءات ايقاع رقصة الكمبلا، ومقاطع من عزف منفرد علي آلة الوازا مصحوبا برائحة نوار أشجار النيم ورائحة صباحات مواسم الحصاد ، وأغنيات العمال الاحباش في حقول الذرة المطرية وغناء فتية الدينكا وهم يصحبون قطعان الأبقار في موسم التوج.
وفجأة في ذروة المشهد، في اللحظة التي توحدت فيها إنطباعات الوجوه الباهتة بسبب الخوف و الضوء الخافت، سحب المغني العجوز جسده وتواري عن المسرح، رغم أن معظم المشاهدين لاحظوا إستمرار الأغنية بعد لحظات من إختفائه، قبل أن تبدأ الألحان في التراجع مخلفة ذيولا ضوئية ملونة تدافعت للحظات قبل أن يبتلعها الفراغ، الذي زلزلته ضجة الضحك الذي اندلع بصورة أقوي.
لكن المغني عاد بعد قليل ولاحظ الجالسون في المقدمة بأنه كان يترنح بصورة أفضل، ورغم أنهم توقعوا نشوء فراغ في ذاكرته الا أنه واصل أداء الاغنية من المقطع نفسه الذي توقف فيه قبل مغادرته وبنفس مقياس أطوال الاشواق.
لاحظ حمدان ود حاج النور – الذي كان يقف في المؤخرة – مرتجفا بسبب إصابته بالحمي، أن الحشود اللحنية بدأت تأخذ مسارا مغايرا لإتجاه الأغنية التي كانت تنتشر من حوله في صورة دوامات متمزقة ومتداخلة، كان المغني قد غادر المسرح مرة أخري تاركا الأغنية تذوب في حبات الضوء الخافت قبل أن يبددها الهواء، وحين عاد بعد قليل وجد شخصا آخر يقف مكانه مستبيحا أنغامه الخريفية، لاحظ بحذر أن الأداء رغم زيفه كان رائعا للغاية، وأن المغني الجديد لم يبدأ مداخله اللحنية بمارشات عسكرية، بل بنسق عادي حتي أن مدخله الاول كان مقاطع من اغنيات الاطفال في ليالي الدميرة محددا نقطة الدخول الرئيسية بمقطع:
(شليل وينو .. اكلو الدودو .. شليل وين راح .. اكلو التمساح) تاركا المارشات العسكرية تنمو طوال الوقت في حواف ألحانه ، بدلا من جعلها مجرد مدخل تذكاري، في تلك اللحظة إرتفع صوت نغم ناشز نبه المغني العجوز الي خلل تسبب بغياب أحد أهم عازفيه فعرف دون أن يقترب ليري المغني الانقلابي إنه هو العازف الغائب، مكتشفا أن ألحانه الوثيقة الصلة بوقائع يومية، كانت مجرد خدعة لتثبيت أقدامه.
حاول المغني العجوز التقدم ولكنه فشل بسبب الحراسة اللحنية غير المرئية حول المسرح حتي إنه إضطر ليتراجع محاولا إيجاد مكان شاغر وسط المتفرجين، ثم إضطر للتقهقر والوقوف في المؤخرة.
فجأة بدأت قطرات المطر تسقط فوق الوجوه الشمعية، كان المغني الجديد قد فترت حماسته بسبب إرهاق تحمل صدمة أشواق مكثفة دون رصيد من الحزن فإنسحب عائدا لمكانه، تقدم عازف آخر قاد اللحن ببراعة مذهلة، ورغم بدء إنسحاب الجمهور بسبب تزايد ضراوة المطر إلا أن الكثيرين جازفوا بالبقاء بسبب حرارة الأداء، إلا أن صوت المغني الجديد بدأ يضعف بعد قليل، وتخللت أمواج صوته عواصف إستوائية وإنهيارات صخرية، فبذل جهدا يائسا لتدعيم الأغنية الممزقة بمقاطع مرتجلة قبل أن ينسحب للخلف.
حمدان ود حاج النور لاحظ أن هناك عددا كبيرا من رجال القرية كانوا يقفون بتحفز خلف الفرقة الموسيقية ويحاولون التقدم بتردد نحو مكان المغني الشاغر، وفجأة شهر حمدان عصاه مقتحما المسرح وخلفه عاصفة من التصفيق الوجل بسبب تزايد المطر، ولكن حين بدا له أن بإمكانه إفراغ ما في جوفه من الأحلام المضطربة في صورة أنغام مجددة، للحياة وغابة المطر، قفزت الي حمي ذاكرته فجأة صورة ثلاثية الأبعاد، رأي زوجته وأطفاله الصغار جالسين في الفناء بسبب إنهيار البيت، وللمرة الاولي لاحظ أن القدر الذي تركته زوجته يغلي فوق النار حتي ينام الاطفال، كان مليئا بالحجارة. جحظت عيناه، وجفت الكلمات في حلقه، حدّق حوله مذعورا قبل أن يولي الأدبار.

woensdag 7 augustus 2013

سعادة جناب الوزير!


!سعادة جناب الوزير


كانوا يجلسون في ضوء القمر بإنتظار طعام العشاء أمام المسيد، هواء الليل البارد يهب مشبعا برائحة الجروف، أصوات حزينة كانت تقترب وتبتعد من على البعد كأنها قادمة من عوالم أخرى، مثل أشباح ضوئية تختبئ في الليل من ضوء النهار. تنثر في العالم حزنا وخوفا غامضا، قطع فارس صمت الحزن بقوله:
حكومة الجوع الفقر دي حتتحل من رقبتنا متين!
علّق سليمان الاعرج: مؤتمر وطني وكت يشتم الحكومة معناها يا داير ليه قرشين يا عاوز يبقى وزير!
وقال شيخ النور: أو يكون وزعوا ليهم غنيمة بيناتم وما أدوه حقه!
قال شيخ سعيد: فارس يبقى وزير!
ضحك شيخ النور وقال: أهم مؤهل عشان يبقى وزير عنده، ما بيفرز حق الناس من حقه! كلنا أخوان وكدة!
ضحك الاعرج وقال يعني إنت لحنتها يا شيخ النور ما تقول بالواضح حرامي!
إقترب صلاح الجاز الذي كان يدخن سيجارة القمشة بعيدا منهم قليلا وقال: سمعت في الخرطوم قالوا التوزير إنت وحظك، في زول قالوا بيفتش في شغل ساكي مكاتب العمل والشركات وما خلى زول بيعرفو، يمشي أي مكان يقولو ليه انت يا دوب اتخرجت وخبرة ما عندك، ما بنقدر نشغلك، واحد نصحه قال ليه سوي ليك دقينة أمورك بتسلك، عمل دقينة برضو مافي فايدة، الجماعة ديل بقوا يفرزوا ناسم لأن الدقون كترت، أها يوم ضرب ليه زول في الموبايل، قال ليه منتظرنك تعال أحلف، افتكر إن الموضوع محكمة ولا شهادة حيمشي يحلف القسم، قالو ليه تعال في مجلس الوزراء، إستغرب قال يمكن الحرامية كتروا هناك عملوا ليهم محكمة براهم، زي المحاكم البيعملوها لشركات الاتصالات وكدة! ركب ليه دفار نزله في شارع البلدية وتم الباقي بكرعيه.
وكت وصل، لقى حرس أداهم بطاقته، فتشو إسمه في اللستة و دخلوه، لقى زول سلم عليه وفي صف بتاع ناس واقفين وقف معاهم، ويعاين للزول السلم عليه ويقول يا ربي الزول دة أنا شايفه وين، سأل الزول الواقف جنبه إنت الزول دة منو؟ أنا شايفه قبل كدة!
الزول ضحك و قال ليه: تكون شفته في التلفزيون! بعدين قال ليه: يازول انت ماك نصيح ولا شنو؟انت ماعارف دة الرئيس؟ أمال جايي هنا ليه؟ انت مش جايي تحلف القسم؟.
زولك عرف في شئ غلط، لكن قطع الحركة لامن وصل المصحف وحلف، أها وصلوه مكتبه وأدوه العربية ، قعد كم يوم لا شغلة لا مشغلة، وما عارف يعمل شنو، يقرأ الجرايد ويشرب الشاي والقهوة لامن هو ذاتو إحتار يا رب أنا وزير ولا مساعد رئيس! بعد كم يوم جوا قالوا ليه معليش في غلط حصل، تشابه أسامي، لكن هسع ما بنخليك تمشي ساكت، حنعملك مدير لشركة تحت التأسيس، وبعدين غمتو ليه قرشين ورفدوه!
قال فارس: والله دي انا ألقاها باب المسيد دة ما يمرقني، بعدين ما في حاجة اسمها حصل غلط، الماشي صاح في البلد دي كلها شنو؟ والله ان دقسوا عينوني وزير ما أسلمها تاني الا عيسى!
ضحك شيخ النور وقال: ياهو دة الاتعلمتو من الكيزان؟ تمسك في اي شئ لغاية تموت! بعدين اسمك دة ما بيغلطوا فيه، مافي غيرك في البلد كلها زول اسمه فارس، لو دايرهم يغلطوا في إسمك الا تغيرو!
أعلن فارس بغضب: كضبوا علي الكلاب قالو لي اتنازل في انتخابات الولاية وبنعينك مدير لشركة تابعة للزكاة او منسق دفاع شعبي، اتنازلت لا قرش لا تعريفة، بعد الانتخابات انتهت عملوا نايمين! لكن بعد كلامكم دة لو دايرني تاني الا ابقى وزير، الناس بالغلط عينوهم، انا اخدم فيهم من ايام رطل السكر كان بعشرة قروش، صغّرت نفسي وانا ولد شيوخ ولميت الحرامية، وفي النهاية يمرقوني بقد القفة!
اها وداير تبقى وزير شنو؟
ما بفاصل كتير، شئون دينية، وزير خارجية، اي حاجة! محلات اللبع التقيل عارف ما بلقى فيها فرقة!.
اها وبعد تبقى وزير تاني بتجي علينا هنا في المسيد؟
طبعا انا لازم اكون قريب من الشعب، بس لو شرفتكم في اي مناسبة لازم تدفعوا حاجة ما دام حتقشروا بي! ولازم تقولو لي سعادة جناب الوزير! الكلام دة عاجبني من ما سمعته مرة في التلفزيون!
قال شيخ النور: مفروض انت تدفع لينا ، اذا هسع انت مطلوق ساكت كلامك كله كضب وكت تبقى مسعول كبير حتعمل شنو؟
ضحك صلاح الجاز وقال ذكرتوني بقصة مسعول كبير دي مشيت مرة افتش شغل وداني واحد قريبنا لي زول كوز كبير، دقنه في الواطة. قريبنا شغال معاه بيشتري ويبيع ليه حاجات الظاهر عشان هو مسئول في الحكومة ما عاوز يظهر في السوق ، قال لي عندي مزرعة كبيرة بس لسواق ما عندنا شغل كتير لأن السماسرة بجو يشترو الخضروات بعرباتهم ما بنحتاج نرحل حاجة، بس ممكن مرة في الاسبوع تمشي تجيب مستلزمات المزرعة لو احتاجو شئ من السوق، وباقي الاسبوع تساعد شوية في تسميد اشجار الليمون. تنقل روث البقر والضأن وتفرشه تحت اشجار الليمون. اها وكت خلص من الكلام معاي قال لقريبنا دايرين نفتتح المصنع وعشان نعمل دعاية كويسة انا مفكر نجيب مسئول كبير كان رئيس كان نائبه عشان يظهر في الافتتاح. قريبي استغرب وقال ليه معقول مسئول كبير حيجي يفتتح ليه مصنع صلصة؟ الكوز قال ليه كله بحقه، تتفق مع سكرتير المسئول أو واحد من أهله وتديه حقه، لو عندك طهور ممكن المسئول الكبير يجيك ويشرفك!
بدا سليمان الاعرج متشوقا لمعرفة اخبار الكوز ومزرعته ومصنع الصلصة: اها والشغل كيف ولقيت المزرعة كيف؟
قال صلاح الجاز: رفضت الشغل معاه، وكت مرقت مع قريبي قلت ليه ياخي شوف لي شغلة تانية انا زول حديد وما بفهم الا في سواقتي دي، بعدين ياخي انا عندي رخصة تعبت فيها ممكن اركب بيها فوق زول اسوقه يجي كوزك الحرامي دة داير ينقل بي الزبالة؟ وعدني قال لي وكت نبدا شغل في المصنع بنحتاج سواقين. انتظرته اسبوعين وكت ما رد علي، الفلس حصل والاولاد في البلد ما عندهم شئ قلت احسن احصل ازرع لي شوية قمح يا اقع الدهب لغاية ما تفرج!
قال النور: وما عرفت المسعول الكبير دة بيأجروه بكم اليومين ديل؟
علق فارس : لو عندك افتتاح لي حاجة تعال علينا نحن اسعارنا مهاودة!
علّق سليمان الاعرج: انت من زمان شغال ببطنك متذكر وكت كانوا بيأجروك بالطحنية عشان تدق الناس في الاسواق؟
قال حاج سعيد: الولاية دي كلها زمن الانجليز كان حاكمها زول واحد راكب جمل وحايم يشوف مصالح الناس، وكل شئ كان ماشي زي الساعة، هسع والي ووزراء بوزاراتهم ومجلس شعب ولائي برئيس ونائب ونواب، ومحافظات ومحافظين ومساعدينهم ونوابهم ومديرين وضباط اداريين وبعد دة الناس تعبانة ومافي خدمات وكمان عليهم يدفعوا مرتبات ومصاريف الجيش دة كله، لا تعليم لا صحة ولا حتى أمان، قبل أيام لقيت المحرات العمره اكتر من خمسين سنة اتسرق، الناس جاعت ومع الجوع مافي أمان، الاولاد بقوا يلقوا اي حديد يسرقوه يودوه يبيعوه لناس مصانع الحديد. ركبت ساعة وصلت نقطة البوليس قلت اعمل بلاغ يمكن واحد يلقاه بالصدفة يبلغ. العسكري قال لي المحرات دة تاني الله اعلم يتلقى احسن تستعوض ربك! قلت ليه وكت انت تقول كدة أمال امام الجامع يقول لي شنو؟ قال لي ما مشكلة ممكن نعمل ليك بلاغ لكن كدة امشي السوق جيب ورقة وقلم عشان نعمل ليك البلاغ! قلت ليه ياخي انا كمواطن قاعد ادفع ضريبة رغم ان الحكومة ما بتقدم لي اي خدمة، ولو مرضت ولا موسم زراعتي فشل مافي زول بيسأل علي، هسع من قروش البترول المليارات الدخلت البلد وما معروف مشت وين دي، ما بلقى لي منها ورقة وقلم بس؟
قال شيخ النور: أمن المواطن دة ما شغلهم لكن كدة اقيف في اي محل وقول الحكومة ظلمتني، والله محل يودوك الجن ما يعرفو
وقال سليمان الاعرج: انت يا حاج سعيد وكت مشيت تسأل من حقك تطلب ورقة وقلم بس؟ يا حاج سعيد البترول دخّل للبلد دي اكتر من 60 مليار!
قال فارس: والسد البنوه ليكم والشوارع!
ضحك سليمان وقال: السد بنوه ليهم ما لينا، بعدين ياخوي قروش البترول مليم منها ما دخل السد، السد دة اتبنى بديون مية سنة ما ندفعها! بعدين يا خي غير قروش البترول الدخلت البلد وما شفنا منها حاجة دي، وين قروش الأراضي والمشاريع والمؤسسسات الاتبنت من عرق ودم المواطن، الباعوها لناسهم وللأجانب؟
بصق فارس بصوت مسموع وقال: يا جماعة نحن مستهدفين والبلد محاصرة!
ضحك النور وقال: الحصار دة بس على جهتنا، جهة حكومتك عايشين في امان الله ساكنين القصور وراكبين افخم عربات. اصغر مسئول راكب عربية تمنها يبني بيت والمستشفى عربية اسعاف تنقذ العيانين ما فيه، الحقيقة نحن المحاصرين ومحاصرننا كيزانك ديل بكضبهم وسرقة حقوق المساكين.
ضحك الاعرج وقال: وانت مالك بسرعة رجعت هسع ما كنت بتشتم فيهم!
لم يرد فارس، حضر أحد الصبية يحمل صحن العشاء الضخم في ضوء القمر، شمّر فارس كم جلبابه وقال: الليلة لبن وغدا أمر، يا الوزارة يا الغابة ! ابقو عشرة و جهزوا تور الكرامة!


أحمد الملك