zondag 25 augustus 2013


حين رأينا أشجار النخيل تموت!



الليل عاد والشوق زاد، اذكر جدتي بملابسها البيضاء جالسة في غرفة جانبية يملأها ضوء الصباح المتسرب من النوافذ الكبيرة، وتعبق برائحة الحقول، رائحة خبز القراصة ورائحة القهوة الطازجة بالجنزبيل، عبر الزمن يبدو ايقاع الحياة مختلفا، خاملا، يبدو الزمن مرئيا، شفافا، مخلوطا بالضوء، ورائحة النوار، نوار النيم ونوار الليمون ونوار المانجو، صوت الكابلي الذي يتسرب مثل الحلم عبر الازمنة، يتردد في موجات ضوئية تغمر غرف البيت وفنائه الواسع المفروش بالرمل الاحمر ، تصطدم بالغرباء الذين يعبرون فناء البيت حاملين امتعتهم القليلة.
في الخارج في المضيفة التي تحيط بها اشجار النيم واشجار الاركويت، أري العم علي الخبير جالسا يفترش الارض بجوال الملابس التي يعرضها للبيع، سراويل من قماش الدبلان، وجلاليب من قماش التترون، يتوقف دائما هناك ويخلد للنوم بمجرد ان يطأ جسده الارض، يبقي في انتظار ان تمر سيارة عابرة، ايا كان اتجاهها فهو علي استعداد ليستقلها، لديه مشاوير مؤجلة شمالا وجنوبا، يستغل اصحاب السيارات غفوته وينطلقون .
اذكر ان الوالد لم يكن يحبه، لم تكن لديه معه مشكلة ما، كان يراه فضوليا يقتحم البيوت دون احم او دستور، مرة كان معنا عمال يحفرون بئرا ارتوازية وسبّب وجودهم هلعا تنظيميا في البيت، سعيدة عمر الرمالية تعوس الكسرة وزينب دكر تجلب الوقود، ووالدتي تعد الملاح، ونحن نساعد في كل شئ، في خضم الزحام جاء من يقول ان علي الخبير في الخارج، كان الوالد يبحث في تلك اللحظة عن فكة جنيه ليدفع عشرين قرشا لاعرابي احضر ثلاثة امتار من الخشب، حين سمع ان علي الخبير في الخارج اعلن علي الفور : ساذهب لاطرده !.
ذهبنا من خلفه لنتفرج علي المشاجرة، لكننا وجدنا الوالد يجلس معه فيما عم علي يحسب فكة الجنية : ستين ، خمسة وستين، سبعين، خمسة وسبعين، وقال الوالد حين رآنا : اجروا جيبوا الفطور .!
كانت تلك بداية صداقة بينهما لم تعمر طويلا بسبب وفاة العم علي المفاجئة ، بسبب عشقه الازلي للسيارات، وفي النهاية صدمته سيارة كومر قديمة خالية من الفرامل .
كنا نتحلق حول العم علي في انتظار ان تمر سيارة، يحاكي اصوات الحيوانات، ويحكي قصة الضفدعة الصغيرة التي تنادي امها بلهجة الضفادع: يمة شيليني !
فتقول الام ، شايلة ابوك ! فيقول الصغير الماكر : فوق راي !
جمال المزارع الشاب الذي كان يطمح لتغيير حياته، يبيع الخضروات التي يزرعها للعابرين وللغجر، وفي النهاية افلست تجارته فقد احب احدي بنات الغجر، وبسبب ضعف قلبه تم استنزافه اقتصاديا ، فكان يبيع لهم الجرجير والملوخية دون مقابل او يحصل علي مقابل عاطفي لا يمكن احصائه مثل النقود .

في عطلة الصيف نتوزع لرعاية البهائم، كان لدينا بقرتين وعدد من الاغنام والضأن، تحتاج المزرعة لجهد كبير لسقي اشجار النخيل، منذ مطلع الثمانينات ظهرت موجة الجفاف التي ادت الي تراجع منسوب المياه الجوفية، فبدأت اشجار النخيل تجف، كانت تلك علامة سيئة، فمحصول التمر هو الشئ الوحيد الذي يحصل عليه الناس هنا دون تكلفة، بينما تكلفة الانتاج الزراعي عموما عالية جدا، فعلي المزارع ان يحرث الارض ويجهزها، وعليه تركيب طلمبة تسحب الماء من بئر عميقة يجب تنظيفها سنويا وعملية التنظيف مكلّفة يقوم بها مختصون، كذلك لابد من استخدام محرك ديزل لسحب الماء، قطع غيار المحركات غالية ويستهلك المحرك الكثير من الوقود، حين بدأت اشجار النخيل تجف، قام قليل من المزارعين بمحاولة سقيها او زراعة علف تحتها في موسم الصيف الحار، لكن الاكثرية تركوها تواجه مصيرها المحتوم، وفي السنوات الاخيرة كان محزنا ان نري مشهد الاف الاشجار وهي تجف وتموت واقفة او تسقط بسبب الرياح، الغريب ان ما حدث لاشجار النخيل، تكرر بنفس الطريقة المأساوية علي الناس في المنطقة عموما، اعتاد الناس هنا ان يعيشوا في هدوء يزرعون ما يكفيهم ويساعدهم انتاج النخيل، يربون الضأن والماعز للاستفادة من اللبن وللطوارئ لبيعها ان استدعت ظروف للسفر، لدي وفاة قريب عزيز بعيد عنهم او زواج قريب عزيز ايضا في الخرطوم او اي مدينة اخري، او كمصروفات للأولاد الذين يقبلون في مدارس بعيدة، لم يكونوا يقلقون من مرض احدهم فالدولة كانت تدفع تكلفة العلاج وتعليم الاطفال. منذ مطلع التسعينات القرن المنصرم، تبدلت الاحوال وعاني الناس العوز الشديد للمرة الاولي، بعضهم سحب اطفاله من المدارس بعد ان اصبحت مجرد شركات تعرض لضاعتها لمن يستطيع اليها سبيلا، واصبح العلاج مكلفا، ورفع الدعم عن الوقود وكل السلع ، قبع الكثيرون داخل بيوتهم، حتي لا يستجدوا الناس وماتوا واقفين مثلهم مثل اشجار النخيل، انه زمن الكذب والخداع والفساد، زمن الانقاذ الأغبر! .
الطاهر العاشق للموسيقي خاصة موسيقي الطمبور والمغنيين الشوايقة، خاصة النعام ادم الذي كان يحتفظ له بود خاص وحتي لا يسرق احدهم شرائط الكاسيت التي تحوي اغنياته كان يقوم بدفنها ارضا، كنا نقول له ان التراب سيتلف الشرائط، لكنه كان يصر علي ان تلك الطريقة الوحيدة المضمونة لحفظها .
عوض عثمان يتحلق حوله الناس في ايام وليالي الصيف يحكي مقالبه وحكاياته
ذات مرة كان الناس يسمرون في حلقات حول اشجار النيم حين سمعوا فجأة صوت نهيق حمار الحاج عبدالله المميز وفي لحظات ولي الجميع الادبار واختفوا داخل نبات الذرة، كان الحاج عبد الله عليه رحمة الله رجلا من افاضل الناس، كان يتولي القيام بالاعمال الخيرية، بناء المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، ولأن عين الحكومات كانت دائما بصيرة في تقديم الخدمات ويدها قصيرة وان كانت دائما طويلة فيما يختص بملاحقة الناس وقطع ارزاقهم، كان الحاج عبدالله يعتمد في الخدمات التي يقدمها علي المساعدات القليلة التي يحصل عليها من الناس او من المغتربين خارج الوطن .
وقد حكي لي مرة انه ذهب في زيارة للسعودية للحصول علي دعم من المغتربين وكان انذاك يقوم بالعمل في انجاز مشروع مستشفي ، كان المغتربين قد فاض بهم الكيل من مشروع المستشفي الذي استغرق زمنا طويلا ولم يتم افتتاحه بعد، لم يكن لديهم علم ان المستشفي كان قد تم افتتاحه قبل فترة قصيرة من زيارة الحاج لهم.

وفي الاجتماع الذي ضم الوفد مع المغتربين وقف احدهم وقال :
نريد ان نعرف متي يتم افتتاح هذا المستشفي؟
قال الحاج للسائل واسمه عبدالله:
اهنئك يا عبدالله لقد تم افتتاح المستشفي وجاء والدك وامك ورقدا فيه ستاشر يوما وخرجا !

سكت عبدالله علي الفور ولم يتكلم مرة اخري .
نهض اخر وقال : لماذا احضرت في وفدك صلاح هذا رغم ان الجميع يعرفون انك تختلف معه وان بينكما مشاكل .

قال الحاج عبدالله :
صلاح لم يدخل معنا موضوع المستشفي فلم يأكل شيئا من طرفه، فشال حالنا في كل مكان، جبناه معنا ليأكل شيئا ويمسك خشمه !

فمسك الجميع خشومهم وان لم يستطيعوا الامساك بجيوبهم، ودفعوا !

نعود لعوض عثمان ، حين سمع الناس صوت حمار الحاج لاذوا بالفرار خوفا من اجبارهم دفع التبرعات بسبب ضيق ذات اليد، وجد عوض عمه الحسن وكان ضريرا فاشار له ليجري علي اتجاه حدده له، كان هو نفس الاتجاه الذي سيأتي منه الحاج .
فيما كان الرجل الضرير يجري استوقفه شخص ما وساله لماذا يجري .
قال الرجل الضرير : الحاج عبدالله ما جننا كرّهنا العيشة .
قال السائل : انا حاج عبدالله !
فقال الرجل الضرير : الرجل الطيب !.

عوض عثمان اشتهر بمقالبه وذات مرة وكان لا يزال صبيا ايقظه والده في الرابعة صباحا ليحلب البقرة وكان معهم ضيوف
استيقظ عوض منزعجا وقال :
يا ابوي الدنيا لسع بدري والبقرة ذاتها لسة نايمة !
تراجع الاب مصدقا ان البقرة قد تكون نائمة ولا داعي لازعاجها بهذا الامر غير الهام !
حكي لي الحاج عبدالله انه بعد ان قامت حكومة نميري بحل الادارة الاهلية وعينت بعض الاعيان كقضاة شعبيين انه تم تعيينه كرئيس للمحكمة الشعبية وفي اول قضية يفصل فيها، كانت الشاكية امرأة دهشت حين وجدته يجلس في مقعد رئيس المحكمة وكانت تعرفه ويبدو انها لم تكن تسمع جهاز الراديو فلم تسمع بحل الادارات الاهلية .
قالت له هل اصبحت القاضي ؟
فقال نعم .
قالت له : مكان الشيخ الزبير ؟!
فقال نعم
قالت له : سبحان الله !
وسكتت قليلا قبل ان تردف برطانة الدناقلة وهو يجلس مستمعا لها :
البحر لامن يبقي خسيس الحمار كمان بيخوضو !


حكي لي حاج عبدالله انه حضر احتفال استقبال اول والي يعين في الولاية وحضر الحفل احد رموز الانقاذ، طلب الحاج ان يشارك بكلمة وحين جاء دوره قال : زمان كان لامن دايرين يشتمونا يقولون لنا : الهي ما تلقي الوالي : الحمدلله هسع واشار للوالي : لقينا الوالي !
قال ان الرمز الانقاذي سأله من اين تعلمت هذه الفصاحة يا حاج؟
فقال له : انا في العمل العام اكثر من خمس وخمسين سنة وماجيت ناطي فيه بعكاز ذيك !

ذات مرة كنت في السوق سوق مدينة السير، كانت السنوات قد مرت وعملت معلما في مدرسته الثانوية، سمعت في السوق ان رجلا من القرية ينتمي لجماعة انصار السنة المحمدية معتقل عند جهاز الامن وانه يتعرض للتعذيب هناك، بعد عودتي من السوق ذهبت للمدرسة فوجدته يجلس امام بيته تحت ظلال شجرة المسكيت، قلت له بصفتك رئيسا للجنة الشعبية للقرية هل ذهبت تسأل عن اسباب اعتقال الرجل، فقال لي ببساطة اسأل عنو هو انا الرميتو !

قلت له كيف ؟
قال لي انه حدثت مشاجرة في المقابر، حين لام مواطن من حزب الحكومة مواطن من جماعة انصار السنة لانه لم يقدم له واجب العزاء في ابنه الشهيد وكانت هناك مشاكل واحتكاكات بين انصار السنة والكيزان، فرد عليه انصار السنة بجفاء : القال ليك هو شهيد منو ؟
تدخل الحاج لتهدئة الموقف باعتباره كبير البلد لكن انصار السنة المنفعل لم يعره اهتماما، او احتراما فكانت النتيجة انه وجد نفسه بعد يومين يواجه العذاب الدنيوي في جهاز الامن !
قلت له يا حاج انت مالك ومال مشاكل الجبهجية وانصار السنة ، خليك في حالك بعدين انت ذاتك ما عندك مشكلة مع اي زول لكن انا شايف ان استاذ عثمان (وهو احد الرموز الكيزانية في القرية) دافرك في الكلام دة، وختمت قولي : الكوز دة قاعد يلعب بيك!
اغضبه كلامي فقاطعني : صلي علي النبي يا خينا ، والله ابوه ما يلعب بي !
حاولت ان اتحادث معه لحل موضوع الشخص المعتقل لكنه لم يصغ لي ، فذهبت لاستاذ عثمان سكرتير اللجنة الشعبية : قلت له هل لديك علم ان الحاج ابلغ رجال الامن عن هذا الرجل المعتقل باسم اللجنة الشعبية، انكر علمه وقال لي انه سيستوضح منه الامر.
في اليوم التالي ابلغني انه سأل الحاج وقد انكر الحاج انه قال لي ذلك بل حلف بالطلاق !
بعد الظهر جئت للمدرسة، كنا نقوم بدورة تقوية صيفية للطلاب وجدته يجلس امام البيت في ظلال شجرة المسكيت حين رآني من علي البعد قال لي : اها جايي تتم البديتو !
قلت له وانا امضي في طريقي للمدرسة : والله انا ما عارف لكن واشرت الي بيته حأرسل لي اهل المرة دي يجوا يسوقوها !
تركته يضحك وفي اليوم التالي عرفت باطلاق سراح الشخص المعتقل .
جمال رزق الله معلم البناء الماهر والفنان، يملك موهبة فطرية في عمله، لم يقرأ فنونا او يتعلم شيئا سوي كما حكي لي دروس المدرسة التي لم يكن فيها سوي مدرس واحد كان يعطيهم دروس اللغة العربية برطانة الدناقلة!
وذات مرة في حصة التربية الاسلامية سألهم بصوت جهوري وبلغة عربية فصيحة : متي توفي النبي صلي عليه وسلّم؟
تمت ترجمة السؤال في البداية الي الاندادي ( رطانة الدناقلة) فنهض طالب كان يعاني بعض التخلف العقلي وصرخ :
لا حول ولا قوة الا بالله، النبي تي ديكو ؟
وترجمتها : لا اله الا الله هل توفي النبي (ص) ؟

ويبدو انه لم يسمع بذلك، كان عاشقا للزلابية وفي طريقه للمدرسة علي الحمار كان يشعر بالتعب احيانا من ثقل الاشياء التي يحملها: الطبق الضخم الذي يحمل فيه القراصة والزلابية اضافة لخرتاية الكتب، ولكي يتمكن من مواصلة المشوار كان يتعين عليه التخلص من بعض ما يحمل، كان يتخذ القرار دون تردد فيلقي بخرطاية الكتب ارضا ! والمؤكد انه لدي عودته كان يجدها في نفس المكان فليس هناك كائن يرغب في سرقة كراساته المليئة بعبارات اعد وقابلني والرجاء احضار ولي امرك! والواقع انه فعل ذلك مرة واحدة واحضر ولي امره، وكان خاله، حضر شخص ضخم الجثة يتطاير الشرر من عيونه ويتأبط عصا ضخمة من النوع الذي ينتهي بكعكة في اخره، حتي ان المدير اضطر للاعتذار له ! .
حكي لي جمال ان المدير كان يحضر احيانا خاصة في يوم الخميس سكرانا دون رغبة في الدخول للمدرسة، كان يجلس فوق حماره بجانب جدار المدرسة وينادي علي احد الطلاب : يا ولد دق الجرس.
وحين يصطف الطلاب في الطابور ، يدير هو الطابور من فوق حماره : صفا .. انتباه.. صفا .. انتباه. الي الفصل دور ، ثم يعلن وهو يضرب حمار مغادرا: اذا تأخرت في السوق دقوا الجرس وروحوا !
كان في الفصل صبيين ابناء عمومة رمضان وحسين جدهما اسمه ابوشوك، رمضان كان ضئيل الجسم فاسماه الاستاذ: ابوشوك كنة اي ابوشوك الصغير وكلمة كنة بالرطانة ربما افضل كلمة لترجمتها هي قلّيّل بتشديد اللام والياء !، وحسين كان ضخما فاسماه المدرس أبوشوك دول! اي ابو شوك الكبير او المانع . وكان التلميذان كنة ودول يجلسان دائما في الصف الاخير بجوار بعضهما، حيث يعمل التلميذ دول في اوقات فراغه كحارس شخصي لابن عمه التلميذ كنة والذي بسبب صغر حجمه يتعرض احيانا لمضايقة فتوات المدرسة من الطلاب الذين نسيهم اهلهم في المدارس او اصبحت المدرسة لهم مجرد برنامج يومي أبدي .
في حصة الحساب اثناء العذاب الازلي المسمي جدول الضرب اعلن الاستاذ : كم حاصل ضرب
ستة في سبعة؟
ثم نادي علي الطالب الذي يجب ان يجاوب علي السؤال : ابوشوك دول، فقال ابوشوك دول بصوت ضخم : 16 !
فنادي الاستاذ : ابوشوك كنة !
فرد بصوت رفيع مثل صوت فأر : 17!
فقال الاستاذ : شد واركب !
جمال كان فنانا في عمله لكنه مثله مثل الفنانين كان يعاني من الملل ولا يكاد يبدأ عملا حتي يمله ويتركه وكانت النتيجة انه لم يكمل اية بيت بدأ بناءه، كان يبدأ العمل في وجود صاحب البيت الذي يكون عادة شخصا مغتربا حضر لقضاء اجازته، يبدأ العمل نشيطا مع عماله ، يكون هناك سجائر ومسجل جديد يصدح بجانبه اثناء العمل وهو يعشق الغناء لدرجة الجنون، وتكون هناك ذبائح واكل جيد، فيمضي العمل علي ما يرام، ثم تبدأ ميزانية المغترب في التراجع، فيستبدل البنسون الفاخر بجوال صغير من القمشة وبدلا من الذبائح تعود القراصة 6 بوصة لتتصدر المائدة، ويستبدل المسجل الذي استهلك كل حجارة البطارية الموجودة في دكان التعاون، يستبدله بطنبور قديم ويستخدم اذان مستمعيه لتجربة الحانه القديمة من ايام الشيطنة كما يسمي ايام شبابه، ويستبدل عرقي الامسيات بالشاي باللبن مشيرا الي الاول باعتباره : هو اصلا حرام ! عندها يطفش جمال الي الابد !
ذات مرة جاء الي البيت لعمل بعض الاصلاحات ، كانت الوالدة وشقيقنا الاكبر قد سافرا الي الحج ولاجل استقبالهما تعين اجراء بعض الاصلاحات ولان اخي الاكبر كان يعرف نظام جمال فقد اوصانا قبل السفر ان نوفر له اساسيات الونسة ان رغبنا ان يكمل الشغل وشدد علي الا يتوقف جهاز التسجيل مطلقا، وجدنا بطارية سيارة قديمة، شحدنا صديقنا علي الذي يعمل سائقا لاحد الجرارات الزراعية ليشحن لنا البطارية واوصلنا المسجل وجهزنا كومة من الشرائط، جاء جمال وبقي معنا لمدة عام بعد ان اكمل العمل ! وكان الناس يسألوننا مستغربين الزول دة مسكتوا كيف ؟ وقال لي احد الجيران : الظاهر فقيركم قوي !
كان لديه هواية غريبة، يعشق استبدال الاشياء، يعرف احيانا انه سيكون خاسرا من الاستبدال رغم ذلك لا يستطيع مقاومة الاغراء، ذات مرة جاء الينا يحمل جهاز مسجل جديد، استبدله مع خالد اخي بجهاز راديو، ثم قايض جهاز الراديو بساعة سيكو مع احد جيراننا وفي نهاية اليوم كان المسجل الجديد قد انتهي به الامر الي ماعز جاء يسحبها من اذنيها وهي تزعق بصوت هستيري، ربطها في مدخل المزرعة وغادر علي ان يعود في اليوم التالي ليأخذها .
في اليوم التالي جاء ليقوم بحش بعض الحشائش ويطعمها ثم سقاها بعض الماء بجردل وتركها مغادرا ليتكرر في الايام التالية نفس برنامجه، حين عرف الناس بذلك البرنامج اصبح بعض من يريدون منه اكمال عمل بدأه لهم وزاغ يلبدون له جوار الماعز! ذات يوم تجمهر بعض من يريدونه وكنت انا ايضا اريده لاجراء بعض الاصلاحات، في الموعد المحدد وبدلا من حضوره حضر اعرابي متعجل نزل وسط دهشة الحضور ليفك الماعز ويرفعه علي حماره، واعلن وهو يغادر : جمال باعو لي !

Geen opmerkingen:

Een reactie posten