zondag 8 september 2013

صمت الحياة في الشتاء


صمت الحياة في الشتاء



بعد صلاة العشاء جلسنا في باحة المسيد، كان الشتاء قد إنصرم وإنشغل معظم الناس بجمع محاصيلهم وتخزينها أو تسليمها للبنوك. كان بعض الصبية يلعبون شليل في ضوء القمر في الساحة الملاصقة للمسيد. تخفف أصوات صراخهم وضحكهم أثناء اللعب من الكآبة التي تخيم على العالم، كأنهم يعلنون نهاية صمت وخمول الحياة في الشتاء، حيث ينشغل الجميع بالموسم الزراعي، وإستعادة صخبها مع هبوب أول خماسين الصيف.
كان الجميع يشعرون بالإرهاق بعد نهاية موسم زراعي ملئ بالمشاكل. بدت الحياة نفسها بالنسبة لهم مثل دورة لا تنتهي من الشقاء والمصاعب الموسمية.
قال شيخ النور: إنشاء الله التعب دة يجيب مديدة تامزين. بدل التعب البلا عائد دة أريت كان نمنا نومنا. بدل يبقى علينا فلس وكمان تعب ومرض! شغالين خدامين للبنوك نتعب ونساهر وفي النهاية ندي المحصول كله للبنك ونرسل لي ناس السعودية يرسلوا لينا عشان نشتري القمح!
رد حاج سعيد: والله كلامك صحي، زمان ولدي وكت ظروفه كانت كويسة في السعودية كان بيقول لي ما تزرع ، وكان بيسألني لو زرعت بتجيب كم شوال؟ ويرسل لي تمنها!
قال شيخ النور كأنه يتحدث مع نفسه: البرد ذاته راح في زمن حكومة الفقر، بسبب الحر الفول إنضرب بالعسلة، كان أملنا السنة دي يعوضنا شوية!.
قال سليمان الاعرج: ولو البرد جة، يجيب معاه الجراد.

عقّب شيخ النور: والله لو بلقى طريقة اغتراب ما أتردد، يا اخوانا ما بنفع انشاء الله أبقى غفير ولا راعي بهائم!
ضحك سليمان الاعرج وقال: قبل كم سنة، قبل ما الانقاذ تدخل العضم، جاني جواب من الخزين ود عمي عثمان، قال لي في سعودي بيفتش على عمال يسافروا يشتغلوا معاه لو دايرين تسافروا تعالو قابلوه يمكن يكون عندكم رزق وياخدكم معه.
سافروا الشباب كلهم أولنا طبعا سيد الاسم فارس، السنة ديك كان زرع أول مرة في حياته، وقبل ما يخلص من أول سقاية للمحصول شرد وسافر رجع في آخر الموسم وكمان بوشه القوي قال داير نصيبه من المحصول! الطاهر قال ليه : لو جبت لي تلاتة شهود إن عندك حق في المحصول دة بديك أكتر من حقك! فارس طبعا ما بيحب الشغل خاصة حش البرسيم، كان طوالي يقول البرسيم يعمل ليه حساسية! قال جسمه كله يورم لو دخل جوة البرسيم، هو طبعا ما داير يساعد عمه الزين، الزين كان الوكت داك عنده برسيم كتير ويشحت الناس يساعدوه في الحش، وكت زهج من فارس قال ليه : أول مرة أسمع بي زول عنده حساسية من البرسيم، وانت طيب لو كان بقيت حمار كان بتاكل شنو؟ ! والا يربطوك في الحلفا؟
فارس قال لي الزين يبيع البرسيم ويكب القروش في جيبه، وما يتذكرنا تاني إلا وكت يجي ميعاد الحش، عشان كدة انا كرهت سيرة البرسيم! بقت تجيب لي حساسية!
مشينا الخرطوم قابلنا السعودي، راجل شكله طيب، قعدنا معاه في الاستقبال بتاع الفندق..
قاطعه النور: ما شاء الله يا سليمان مشيت الخرطوم ودخلت الفنادق كمان! كان داير تبقى معارضة ولا شنو؟
تساءل حاج سعيد: معارضة شنو في الفندق؟
ضحك النور وقال: ما دايما الكيزان يقولو على المعارضين معارضة الفنادق! التقول هم الحرامية قاعدين في السهلة، يرسلوا الشفع الصغار يحاربو ليهم وهم عايشين في قصورهم عيشة الأمراء والملوك!
واصل سليمان: أها الراجل السعودي قال لينا أنا محتاج لناس يشتغلوا كويس واقدر اعتمد عليهم لأن عندي مزرعة كبيرة جايب فيها أبقار وجمال وبهائم.
قبل ما يكمل كلامه نط ليه فارس في حلقه وسأله: طبيعة الشغل الحنعملو شنو؟
الراجل قال ليه: حش برسيم!
فارس طوالي وقف وقال: والله البرسيم دة الجابنا هنا من البلد!
أها مشوا معاه اظن خمسة، منهم الطيب ود حاج سعيد، قالو هسع سوا ليه عقال وبقى ينضم زي سياد البلد يقول للعربية وانيت وللراجل ريّال، يا هو الدنيا وحالها! المسكين عرف كلامنا الميت دة ما بيأكل عيش!
ضحك النور وقال : وأنت ليه ما مشيت يا سليمان؟
قال سليمان: والله انا برضو كنت فاكر الشغل يكون خفيف شوية، يدوني كنبة أقعد أحرس لي باب، أراقب لي عمّال، لكن حش برسيم مع كراعي دي ما بينفع!
حدّق شيخ النور في القمر وتساءل: صاحبك مالو طوّل في الخرطوم المرة دي؟
ضحك سليمان وقال: قال ما بيرجع الا يبقى وزير! لكن بعد دة بيرجع، ما دام الموسم إنتهى بيرجع. الزين بداية الشتاء قال ليه تعال ازرع معاي السنة دي، قال للزين انا ماشي الدهب ما عندي نية زراعة تاني. تقول بلحيل كان ناجح في الزراعة. الكيزان غشوه وكت قال داير ينزل الانتخابات قالوا ليه إتنازل وحنعينك مدير لشركة، بدل يقبض ليه قرشين ويخلع! طمع، قال يمسك الشركة يلبع ليه لبعة كبيرة ويتقاعد بعدها، قال لي الكيزان نهبوا البلد دي فرصتنا نرجع شوية من النهبوه! قبل بكلامهم لكن الجماعة أولاد كلب، مرقوه من الاتنين!
هسع قبل يسافر كتب ليه عريضة قال يوديها الخرطوم لرئاسة المؤتمر الوطني، كتب قال ليهم الجماعة هنا نهبو البلد، وخلوا الناس كرهوا الدين ذاته بعمايلهم. لدرجة في جزار في السوق اليوم كله يكورك: لو الناس ديل طاروا وجانا حزب بيقول لا تبديل لشرع الله، حرّم ساطوري دة ما ياباه! بعدين هو يمشي يشتكي الخرطوم لي مين؟ تقول ناس الخرطوم بلحيل كويسين، والشغلة هي أصلا خربانة من فوق!
قال النور: لو كدة وجب نجهز لينا عتود للكرامة، يمكن الزول دة يرجع وزير زي ما قال!
قال حاج سعيد: عتود ولا تور؟
قال النور: عتود كفاية، فارس كضّاب حيجي يقول عملوني وزير عشان نضبح وياكل اللحم، وبعد داك يقول بدل يختوا اسمي عملوا غلط عينوا زول تاني لكن حيدخلوني في أقرب تعديل وزاري!

Geen opmerkingen:

Een reactie posten