woensdag 9 oktober 2013


بين الصحافة والتجارة أو بين بهرام وأحمد البلال.!






أواخر العام 1998 كنت أجلس في أحد فرندات السوق الأفرنجي أقرأ في صحيفة. يصحبني الصديق الدائم آنذاك (كيس التسالي) والذي لم أتوقف عن (تعاطيه) رغم أنه جلب لي (الشتيمة) فقد توقف أمامي ذات يوم وأنا أقرأ الصحيفة في نفس مكاني، بائعان جائلان يحملان قطع جلاليب، وحين وجدا أنني كنت عازفا عن الشراء (بسبب ضيق ذات الجيب) حاولا إستفزازي : فقال أحدهما للآخر، سيبك منو، دة الظاهر ما عنده قروش!
وعقّب الآخر مؤمنا على كلام رفيقه: التسالي دة يكون ياهو فطوره!
قبل أن يحملا قطع الجلاليب ويرحلا لشتم أناس آخرين!
رفعت وجهي لأجد من حولي هذه المرة وبدلا من باعة الجلاليب، وفدا على مستوى عال، يصحبهم مصوّر بكاميرا مثبتة بخرق قماش على حامل يشبه يد المكواة. دهشت، فلم يكن لدي لحية تذكر، ولم أكن شخصا مسئولا ممن يدفعون الفساد والإهمال بدعاوي البلاء! وهو لا يعرف أنه هو أصل البلاء! في كل الأحوال أصلحت من وضع ياقة قميصي حين رأيت الكاميرا التي تشبه المكواة، وتذكرت مرشحا سقط في الانتخابات كان لا يني يردد كلما وقع فمه على مايكرفون أثناء حملته الإنتخابية الآية الكريمة:

وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي

لم أكن اتوقع حين إستعددت للتصريح أن ناس الوفد الصحفي لن (يفقهوا قولي) أو سيفقهوه ولكن على طريقتهم، يبدو أن منظر الجريدة التي كنت أقرأها جذب فضول الوفد. كانت تتقدمهم فتاة في مقتبل العمر كما يقولون (رغم أنني لم أكن اعرف آنذاك كم يجب أن يبلغ الانسان من العمر ليكون في مقتبل العمر) المهم شرحت لي الفتاة الصحفية كما أوضحت، إنهم يقومون بعمل إستبيان لمعرفة رأي القارئ حول الشكل الجديد لصحيفة أخبار اليوم! ثم مدّت لي يدها بالصحيفة بشكلها الجديد! إبتسمت مندهشا، وظننت (وبعض الظن إثم) ان الجريدة إنكمشت بسبب الظروف الاقتصادية السيئة! وأن الانكماش الذي طال حياة الناس كلها فتقاصرت الوجبات والمرتديات (ما يرتديه الناس) حتى أن صديقا كان الناس يحسبونه من جماعة أنصار السنة بينما تقاصر جلبابه بسبب عوامل التعرية. حسبت أن الإنكماش طال حتى الصحف فأصبحت بقدرة الله، والمصممين، تابلويد، أي نصف الجريدة التي نعرفها.

ولأنني كنت مفارق في ذلك الوقت وعيني قوية، فقد نظرت بعيني القوية الى جريدتهم ثم أدليت بتصريحي، قلت لهم، إن الشكل غير مهم، المهم هو المضمون، وأن صحيفة الأستاذ محجوب عروة وهو المحسوب على الحركة الاسلامية هي أكثر إستقلالية بل أقرب للمعارضة، من صحيفة أحمد البلال الطيب والتي نفهم من كلمة مستقلة المكتوبة في أعلى صفحتها الأولى، أنها بالضرورة مستقلة، لكن واقع الحال أنها، كما مضيت في تصريحي، نسخة بالكربون من الجرائد الحكومية! حتى إعلانات البسكويت وصفحة الوفيات، (الفقد واحد!).

بدا عليهم إحباط إختيار الشخص الخطأ، و(تكربنت) وجوهم قليلا ربما لذكر الكربون! لكنهم قبل أن يحملوا جريدتهم القصيرة (التي لا يطاع لها أمر) طلبوا مني أن أعطيهم إسمي ومهنتي وأسمح لهم بإالتقاط صورة. لبثت مبتسما بعض الوقت (حتى تعب فمي من عبء إبتسامة إجبارية لشخص جيبه خال مثل قلب المؤمن المطمئن) حتى أصلحوا الكاميرا المكواة و(كشحوني) بفلاش مركز جعل عيني القوية ترتعش!

المهم كنت متلهفا وأنا أشتري جريدتهم القصيرة في اليوم التالي لمعرفة كيف تعاملوا مع تصريحي، عرفت صورتي بسرعة (لم أتغير كثيرا منذ الأمس) لكنني لم أعرف كلامي أبدا، حتى إسمي قاموا بتغييره قليلا، أما المهنة فبدلا من مدرس كما أعلنت كتبوا: صاحب مكتبة! يبدو أنها مهنة مثالية لمن يريد أن يعطي رأيا حول أحوال الصحافة، فمع الظروف الاقتصادية السيئة لم يعد بمقدور أحد سوى صاحب المكتبة، الذي يقوم بتوزيع الجرائد، أن يقرأ الجرائد كلها.

بالنسبة للرأي وجدت أنني أشدت بالشكل الجديد للجريدة! بقية تصريحي الذي قلت أن الجريدة نسخة كربونية من الداخل من صحف الحكومة، وأنه لا يوجد فيها شئ مستقل سوى كلمة مستقلة المكتوبة في الأعلى باللون الأحمر، تم التعامل معه بدبلوماسية تلفيقية فأصبح: ونتمنى ان تحافظ الجريدة على استقلاليتها أو تصبح الجريدة أكثر إستقلالية، شئ من هذا القبيل الذي حوّل تصريحي الكربوني الآنف ذكره الى مجرد تمنيات!

تذكرت ذلك وأنا أقرا ما أثير حول الأستاذ أحمد البلال الطيب في الأيام الماضية إثر حواره التلفزيوني مع إحدى القنوات العربية، الذي عرفنا فيه كيف يجب أن يكون الاعلامي الجيد وكيف يجب أن يبتعد عن النشاط السياسي! أي نترك الساسة يعجنون ويخبزون في السياسة، والإعلاميون يعجنون ويخبزون إعلاما. والشاطر من يسير على العجين ما (يلخبطوش)! أطرف ما قرأت من تعليق لأحد قراء الراكوبة. أن أحمد البلال تتوفر فيه صفات التاجر الجيد، وأنه ضل طريقه الى الإعلام بدلا من طريقه الحقيقي إلى السوق. وأنه يجيد البيع والشراء لكن ذلك، وإن كان جيدا في السوق لكنه ليس محمودا في الصحافة.
لم يعد لمن يمسك العصا من وسطها دور الآن، الآن الكلمة لبهرام ورفاقه من الشرفاء. دماء شهداء الحرية والكرامة وضعت خطا فاصلا بين حياتنا وبين المخذّلين وتجار الكلمة، لا خير في إعلام لا ينحاز للحق ويحارب الباطل، حتى لو أمسك الباطل بالصولجان بيديه ورجليه. فالباطل الى زوال وإن طال أمده.

قبل سنوات وقعت عيني مصادفة على نسخة من أخبار اليوم أحضرها أحد القادمين من الوطن، فوجدت أنها عادت لحجمها الطبيعي، بقي المضمون نفسه. قلت لنفسي: طيب ما دام أصلا حيرجعوا للشكل القديم (تاعبننا ليه!)، بالتصريح إياه، والشكل ما مهم المهم الاخلاق .. الخ الخ.


Geen opmerkingen:

Een reactie posten